* بعد جلسة مشاورات ومباحثات مشتركة ضمت (عواطف) وزوجها (سلطان) مع اثنين من أخوال العيال .. وبعد طول تداول حول الحل الأمثل لمعالجة حالة (خاف من الله على قلبي) التي تمكنت من قلب صغيرهم (مازن) وأصابته بحالة خوف مستعصية من كل حيوان أليف .. بدء من الحمام والجداد، مرورا بالغنم والكلاب، وصولا للكدايس.
فقد أعيت (عواطف) الحيلة من معالجة خفة القلب التي يعاني منها أصغر أبنائها وحتالتهم، ورغم محاولاتها لتعليمه قوة القلب وتحفيزه عليها بالنفخ في رجولته بمنفاخ (الراجل ما بخاف)، واقناعه بأنه خليفة (رتشارد قلب الأسد) في الأرض، إلا أنه ومع أول محاولة منها لخلق نوع من التقارب في وجهات النظر، بينه وبين (سوسيوة) .. سرعان ما ينقدّ قلب الأسد، وتزنق صرخات استنجاده الرجالة الملحوقة في زاوية ضيقة، بتيبس أطرافه وتحولها لـ ألواح تلج.
اتفق المجتمعين على أن خير البر عاجلة، وذلك بوجوب سرعة التحرك لعلاج حالة (مازن) قبل أن تستفحل وتلتصق به صفة الخوف حتى أرذل العمر، فإتفقوا على انتهاج سياسة (داوني بالتي كانت هي الداء)، وذلك باقتناء حيوان إليف صغير يقوم (مازن) على تربيته والعناية به بنفسه، حتى يحل (الولف) محل الخوف في قلبه، ولكن مع رأي (سلطان) الصريح في أن نباح الكلاب في البيت يطرد الملائكة، وخوف (عواطف) من وسخ الجداد وعفن الغنم، فقد كان الحل الأمثل هو في إستجلاب (كديسونة) صغيرة، ولحسن الصدف فقد كانت (برّة) الجيران نفساء في ستة توائم، فكان نصيب (مازن) منها أنثى كريمية اللون، ناعمة الصوف (سهتانة) الطباع كحال كل الاناث الكديسية منها والمتكدّسة.
استمرت محاولات التوليف بين (مازن) و(بت بُرّة) مدة أسبوع، وتشارك كل أفراد الأسرة في محاولة اقناع (مازن) بمجرد الاقتراب من كرتونة البسكويت التي تقبع في داخلها الكديسة، وفي اليوم الثامن تمكنوا من اقناعه بتمرير يده فوق صوفها الناعم، ومن يومها تكونت ثنائية وصداقة قوية بينهما، ذهب معها خوف (مازن) مع رياح التطبيع مع الكدايس.
تحولت العلاقة الوطيدة بين (مازن) وقطته التي اختار لها اسم (كدّوس)، إلى نوع من ترافق (تيمان برقو الما بتفرقو) فهي لا تغادر حضنه ليل نهار .. ولا يدخل في فمه (لقمة) قبل أن تتذوقها (كدّوس)، لذلك لم يتوانى عن حملها معه للسيارة عندما غادرت الأسرة البيت في مشوار ذات عصرية لأول مرة بعد حلول (كدّوس) بين ظهرانيهم ..
طلب (سلطان) من (مازن) أن يعيد قطته لداخل البيت لعدم أستطاعتهم أخذها معهم، ولكن دموعه وتوسلاته وتعذره بأن ضميره لا يسمح له بتركها وحيدة في البيت تعاني من الخوف ! وبوساطة من (عواطف) منح (سلطان) (كدّوس) تأشيرة الخروج برفقتهم.
سارت الامور على ما يرام داخل السيارة إلى أن عنّ لـ (مازن) أن يرفع (كدّوس) إلى كتفه كي تستمتع معه برؤية شارع النيل، ولكنها أصيبت بالذعر من حركة السيارات المسرعة، فانفلتت من بين يديه وقفزت فوق رؤس أخوانه فتعالت صيحاتهم من خربشة مخالبها مما زاد من خوفها فقفزت للمقعد الامامي ثم انحشرت تحت قدمي (سلطان) بين الفرامل والكلتش !!
مالت بهم السيارة ذات اليمين وذات اليسار مع محاولات (سلطان) اليائسة للانحناء والامساك بها، وما أن تمكن من ذلك حتى حملها وقذف بها بطول يده خارج السيارة.
دخل (مازن) في حالة حداد وحزن مقيم على (كدّوسة) .. بكاها بالدمعة الروية، وحاصر أمه بتساؤلاته الحزينة عن مصير قطته الحبيبة:
هسي المسكينة دي حا تنوم مع منو وتاكل شنو؟
حاولت (عواطف) أن تعلله بالوصل بأن للقطط رادارات تمكنها من العودة للبيت ولو بعد حين، وذلك حتى يتمكن مع مرور الوقت من نسيانها، فقد كانت تعلم استحالة عودة القطة بعد أن رماها (سلطان) على مسافة حوالي العشرين كيلو متر من البيت .. ولكن كاد يقينها يتحول لـ (سكتة خلعية)، عندما سمعوا مواء ضعيفا واهنا يأتي من ناحية الشارع، في مساء اليوم الثالث لـ (جدعتها)، وعندما اسرعوا بفتح الباب فوجؤا بـ (كدّوس) المجهدة تتطلع إليهم باحثة عن وجة (مازن) وفي عينيها نظرة لوم مخلوط بالزعل !
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com