يحكى أن الطائر السكيورتي بعد أن تثاءب وقال: تجربة كويسة، كدي بكرة نشوف بحصل شنو. بعد أن قال ذلك، قام بمراجعة أجهزته الكبيوترية المتعددة، أوصل أسلاكاً وأبدل (يوسبات)، تأمل الشاشات المختلفة وهي تتبدل وتتلون؛ مظهرة أمامه المدينة في نسختيها: الهلامية المسحورة، والمدينة الأصيلة غارقة في بحر تخلفها وتدهورها.
نظر إلى الساعة، أجرى محادثة قصيرة ظل يردد فيها: (نعم، ناجحة، حتى، نعم، غداً، اقتربنا)..
حين اقترب الفجر من انبلاجه صحا الطائر السكيورتي من غفوته الصغيرة، حرك كرسيه صوب كمبيوتراته، تأمل الشاشات؛ المدينة نائمة والسكان يسبحون في أحلام مدينتهم السحرية اليومية الواقعية ـ وهماً – المتمناة.. ابتسم الطائر السكيورتي وهو يتأمل المؤذنين وهم يتهيأون لأذان الفجر؛ حرك السكيورتي ماوساً، ضغط زراً، تأمل الشاشات؛ المدينة تتغطى بغلالة زرقاء خفيفة..
ثم بدأت التبدلات: الشوارع تطرح إسفلتيها اللامع، ناطحات السحاب ترتفع عالياً، أسواق الزجاج، مترو الأنفاق.. إلى آخر علامات المدينة السحرية المتوهمة؛ وأشياء أخر.
قال الراوي: في هذا الصباح ـ الجديد – حين استيقظ سكان المدينة الزبالية القديمة ـ ذاكرةً – وجدوا أن الأشياء ما زالت سارية؛ المياه في مواسيرها تجري باندفاع والكهرباء بفولتاتها تشغل الثلاجات وتدير المكيفات وتهبهم اللطف الصباحي، ثم فوجئوا بأن المدارس فتحت، وذلك حين زعقت أبواق البصات المدرسية منادية تلاميذها النجباء الصغار، هيأ السكان صغارهم التلاميذ، ألبسوهم الثياب الجديدة (صرفت في المدارس) أعدوا السندوتشات؛ لكنهم حين خرجوا برفقة الصغار حتى أبواب البصات المأمونة، هناك فوجئوا مرة أخرى بمشرفات أنيقات باسمات، أرجعن السندوتشات والمشروبات البيتية: (المدرسة توفر كل شيء: الأكل الصحي، والمراجعة الطبية والألعاب المستقبلية المفيدة، فاطمئنوا).
قال الراوي: السكان في سعادة ـ مختزنة من الأمس ـ خرجوا صوب الشوارع الإسفلتية اللامعة، نظافا، أنيقين، سعداء، في استعداد تام للعطاء. بعض السكان ـ أضاف الراوي ـ وجدوا سيارات صغيرة بهية تقف أمام منازلهم، ملصقة عليها أوراق صغيرة تؤكد: وافق البنك، الأقساط لعشرين عاماً.. فتمتع. ركبوا سياراتهم الجديدة وتحركوا في المدينة المنظمة مرورياً؛ طرقاً وشوارع وكباري طائرة وجسوراً مؤمنة، بإدارة رجال مرور يشتلون البهجة والفرح وهم ينبهون السكان للمخالفات الصغيرة ويرشدونهم لطرق السداد آخر العام.
قال الراوي: بعض السكان حين أحسوا بتوعكات مباغتة وغير معتادة توجهوا صوب مستشفيات المدينة؛ وكانت المفاجأة ـ إنها مدينة المفاجآت ـ حيث وجدوا الجنة بانتظارهم، مباني خفيفة الزرقة محاطة بأشجار السرو والبان وورد الجهنمية اليانعة، كانت الممرات (نظييييفة)، والصمت (الصحي) المهيب يغطي المبنى الطبي بأكمله، فلا تسمع سوى صوت خطوات الممرضات (ملائكة الرحمة) وهن يتنقلن في خفة بين غرف المرضى وغرف العمليات والابتسامات المشرقة لا تفارق وجوههن.. وجد السكان في مستشفيات مدينتهم الجديدة الحب والحنان والعطف والرفق من أطباء لمسات أياديهم فقط هي شفاء.. يا للمدينة!.
ختم الراوي، قال: من مكانه بغرفته الكمبيوترية، كان الطائر السكيورتي يقيس بمقاييس خاصة مدى فاعلية إشعاعاته الرمادية والزرقاء الخفيفة جداً.. ينحني على دفتر صغير ويكتب: بعض الخلل، غداً نرى.
(يتبع)
أساطير صغيرة – صحيفة اليوم التالي
[EMAIL]mansourem@hotmail.com[/EMAIL]