العنوان أعلاه، أعتبره ـ شخصياً ـ من أعظم ما ارتبط بي، وارتبطت به، فقد كان عنواناً وضعه أستاذنا الراحل المقيم وأستاذ الأجيال حسن ساتي، ذات يوم في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، لمادة صحفية تحدث فيها عن ثورة تحريرية بصحيفة «الأيام» الغراء، بعد أن تولى مسؤوليات رئاسة مجلس إدارتها وتحريرها، وكنت وقتها صغير السن لكنني شغوف بالمهنة وعاشق لها، ولم أفاجأ عندما طلبني إلى مكتبه مباشرة، وقد كان ذلك ديدنه، فهو يتعامل مع المحررين والمحررات تعاملاً مباشراً، دون تعقيدات تتطلب إخطار من هو دونه، ليخطر بدوره من هو دونه، وهكذا إلى أن يصل الأمر إلى المطلوب لمقابلة رئيس مجلس الإدارة أو رئيس التحرير بأي من صفتيه، فيكلفه التكليف المباشر، أو يوجهه التوجيه المناسب لخطأ ما، في الصحيفة.
وقفت أمام الأستاذ الكبير ـ رحمه الله ـ داخل مكتبه، فنظر إليّ نظرة سريعة عابرة، وعاد ينظر لأوراق أمام مكتبه، وقال لي إنه بصدد تطبيق خطة عمل جديدة، ستقفز بالصحيفة عدة خطوات إلى الأمام، وإنه لن يقدم على أي خطوة لتحقيق هذا الهدف ما لم يضمن أن معه فريق عمل خطير ـ هكذا قالها ـ لذلك قرر أن يكون معه زيد وعبيد وعمرو.. وفلان، وفلتكان، وأنت.
ü أنا؟ ـ نعم أنت، وأريد أن أسند إليك رئاسة أحد الأقسام.
كنت وقتها في حدود الرابعة والعشرين من عمري تقريباً، وما قاله أستاذنا الكبير كان يمثل مفاجأة غير منتظرة لأنه يعني ترقية استثنائية قفزت بي فوق مرحلتين، لكنني سعدتُ ولم أتهيّب المسؤولية، فقد كنت أؤمن دائماً بأن الصحافة قدري وطريقي وحياتي، لذلك أبديت موافقتي بهزة رأس ولغة جافة، كأنما المطلوب أن أكون كما أراد لي أستاذنا الجليل حسن ساتي، رحمه الله ونحن في ذكرى رحيله الخامسة التي تمر علينا هذه الأيام.
فوجئت بصورتي على الصفحة الأخيرة، ومقال «طويل عريض» بقلم الأستاذ حسن ساتي يحمل العنوان أعلاه «التغيير كما العافية.. درجات» أثنى فيه على من سبقني في رئاسة القسم والإشراف على الصفحة الأخيرة ـ بكل مكوناتها ـ وكتب عني ما أرى أنني لا أستحق، ثم كتب عن بقية الزملاء، وخطة التطوير المرتقبة، وأخذت صحيفتنا تتقدم منذ ذلك اليوم، إلى أن بلغ عدد المطبوع منها أكثر من مائة وعشرين ألف نسخة في اليوم.
العنوان أعلاه، وغيره كان أمام عيني بالأمس، وأنا أطالع «آخر لحظة الجمعة» في منافذ التوزيع، وقد نفذت أو كادت، مثلما كان ذلك كله أمام عيني بالأمس وأنا أطالع «آخر لحظة السبت» التي تطالعها أنت الآن، وهي في مرحلة الإعداد، داخل معمل الصحيفة الفني، ونحن نسعى لأن نصدر صحيفتين إحداهما بالحجم المعتاد «ستاندرد» من ثماني صفحات، والثانية بالحجم الصغير «تابلويد» من ثماني صفحات.
اجتمعنا اجتماعاً قصيراً خاطفاً قيمنّا فيه التجربة، ورأينا أن نخضع النتائج لمزيد من الفحص والتحليل، لكننا، وبحمد الله نستطيع أن نقول: «لقد نجحنا» وأجد نفسي أستعيد عنوان مقال أستاذنا الراحل حسن ساتي ـ رحمه الله ـ من جديد، وأقول كما قال إن «التغيير كما العافية.. درجات».
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]