قلت لصاحبي إنني منذ أن نصحني الأطباء بتناول أدوية ارتفاع ضغط الدم لم أفوّت جرعة. أتعرفون ماذا قال لي صاحبي؟ أنت جبان، تخاف من المرض!! وليته اكتفى بتلك التهمة.. تمادى وشرح لي كيف أن «كثرة» الأدوية ضارة بالصحة، وأنه لا يعقل أن يستمر شخص في تناول أدوية الضغط والسكري أو القلب مدى الحياة!! قلت له إن الناس يتناولون الأدوية لجعل مدى الحياة طويلا بعض الشيء من باب «الأخذ بالأسباب»، فكان جوابه إعادة الموال المعتاد عن جده الذي كان يأكل خروفا كاملا بمفرده ويشرب كوبا من السمن كل صباح وعاش عمرا طويلا من دون أن يذهب إلى الطبيب مرة واحدة، فقلت له إنني أعرف شخصا ظل يشرب الخمر والسجائر طوال خمسين سنة وعاش أكثر من سبعين سنة، ولكن هذا لا يعني أن طول العمر عنده يعزى إلى أن الخمر والسجائر مفيدتان للصحة!! وسردت عليه مشهدا في التلفزيون الأردني في سياق حملة لمكافحة التدخين، حين كانت كاميراته تجول في الشوارع في بث حي وعثر المذيع على كنز ثمين: رجل فوق الثمانين لم يمارس التدخين قط وبعد التي واللتيا، قال له المذيع: من المؤكد أن احتفاظك بصحة طيبة في هذا العمر يعود إلى عدم ممارستك للتدخين، فما كان من الرجل إلا أن قال: أخي الكبير عمره 95 سنة ومازال أقوى مني بنية وهو يدخن منذ 80 سنة!!
حاولت أن أشرح لصاحبي أن القاعدة هي أن من يهتم بصحته من المرجح أن يعيش عمرا أطول، وأن الاستثناء هو أن أشخاصا مثل جدّه الذي كان يشرب الكولسترول المصفى، ومدمني الخمر والسجائر عاشوا طويلا رغم أن «سلوكهم» كان مجافيا لمقتضيات الصحة الطيبة! مفيش فايدة، ويبدو أنني زدت الطين بلة بأن قلت لصاحبي إن ضغط الدم عندي تحت السيطرة بفضل تجنب الملح الكثير والدهون في الطعام وكل ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، فقد تأكد للرجل أنني فعلا جبان ورعديد، وحدثني عن فوائد الجبن المملح والفسيخ بالبصل (لعلم أهل الخليج فإن الفسيخ يتألف من ملح مضاف إليه سمك صغير الحجم، وإذا تناولت لقمة واحدة من الفسيخ فإنك تكون قد تناولت حصتك من الملح لمدة 235 يوما)! إنه منطق «اسأل مجرب ولا تسأل طبيب»، الذي يفتقر إلى «المنطق»!! فكل من تلاقيه يريد منك أن تجعل فلانا مثلك الأعلى في الشؤون الصحية، والقاسم المشترك بين هؤلاء «الفلانات» هو أنهم لم يكونوا يذهبون إلى الأطباء عندما يمرضون!! ومن الطبيعي أن الشخص المطلوب منه تعاطي عقار طبي معين طوال حياته يشعر بالسأم، وقد يهمل أمر الانتظام في العلاج لبعض الوقت، ولكن ما قولك في من يكون مصابا بمرض في القلب ويقدم له أفراد عائلته قرص الدواء المقرر فيضعه تحت لسانه ليبصقه لاحقا؟ وماذا تقول في الذي يتعاطى دواء من النوع المصنف كـ«مُنقذ للحياة»، فيتناول جرعة الأسبوع الواحد في أسبوعين من باب ترشيد الإنفاق، ويبرر ذلك بأن الدواء «غالي» وهو يوفر مبلغا لا بأس به بتناول الجرعة يوما بعد آخر بدلا من تناولها يوميا!! وهل أصبحت المضادات الحيوية عديمة الفائدة للكثير من الناس إلا لأنهم أساؤوا استخدامها؟ فبمجرد أن يحس الإنسان بالعافية ينسى أمر تلك العقاقير، وبمرور الزمن تفقد المضادات الحيوية هيبتها أمام الجراثيم والبكتيريا، وبسبب العبث بها بات السلّ طاعون القرن الـ21 بعد أن صارت المضادات عاجزة عن التصدي للجرثومة المسببة له.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]