طفلتان وفقاً لمقياس الأعمار المتعارف عليها، وسعة العقل والرِحم والرحمة، ومع ذلك، زُفّت البراءة بعقود وشهود، قبل أن تنال (أشجان) قراراً قضائياً قضى ببطلان عقد زواجها قبل أسبوعين، فيما أبطلت المحكمة زواج (اشتياق) بعد ثلاث سنوات عاشتها الطفلة في حضن زوج أثمر عن طفلة!
لم تقو الطفلة المسكينة على ارضاع طفلتها، فأسلمتها لوالدتها لتتولى المهمة!
لأن طرقات فؤوس الجهالة على رؤوس المجتمع لن تتوقف، مع تطاول أمد العادات الضارة التي أحارت المهتمين بتنقية الأسر من الموروثات المضرة بسلامة أفرادها، أشعل (مركز سيما لتدريب وحماية حقوق المرأة والطفل)، شمعة في ظلام العنف ضد الأطفال أمس، بمقر المجلس القومي لرعاية الطفولة والأمومة.
الطفلتان (أشجان) و(اشتياق)، كانتا ضيفتان فوق العادة، بعد أن قضت المحاكم ببطلان (تزويجهما) من رجلين فوق العادة (أيضاً!)، لذا هتفتا في الفعالية التي جاءت في سياق الاحتفال بيوم الطفال العالمي: (معاً من أجل انهاء العنف ضد الطفلات).
اشتياق، أصغر أم سودانية حملت لقب المطلّقة، حملت في حضنها رضيعة في شهرها السادس، ثمرة زواج تورّطت فيها على نحو مفاجيء و(جاهل). وبالطبع، فشلت في تحمّل تبعاتها و(رضاعتها)، فلم تجد غير أن تسلم رضيعتها إلى والدتها، لعلها تفلح في ارضاعها بدلاً عنها، فتأمل!
قالت والدة الطفلة اشتياق، ان إبنتها التي عانت من مشاكل صحية لا أول لها ولا آخر في الحمل والولادة، وأصيبت بتشنجات كادت تؤدي بحياتها ما أدخلها في نوبة غيبوبة استمرت (17) يوماً متواصلة، بجانب عذابها الروحي الذي استدعى خضوعها لجسات علاج نفساني لدى المختصين. وأضافت: (طفلتي اشتياق، فشلت في ارضاع طفلتها (أمل)، لأنها تعتقد بأن رضيعتها ستعضّها من ثديها)!
وتداركت الأم الكبيرة مأساتها وقالت: (اشتياق بتّي عايزة تكمل تعليمها وتصل أعلى المناصب)، لكنها لم تبرر كيف قذفت بطفلتها إلى حضن رجل سامها العذاب، وطمس براءتها بليل.
هذا ما كان بشأن الطفلة اشتياق، التي دخلت نادي المطلقّات السودانيات من (أضيق) أبوابه.
أمّا رفيقتها في (النضال)، الطفلة أشجان، وهي أيضاً في الثامنة من عمرها، تمّ ابطال (تزويجها) وهي في الخامسة من عمرها لرجل أربعيني، بقرار قضائي، لأن الزوج.. (تراجع عن الاتفاق الذي أبرم بينه وبين عائلتها والذي يقضي بتسليمها إليه عند بلوغها 15 سنة)!
ربما للدفاع عن (مظلمتها) المتراكمة، رأت أشجان أن تدرس المحاماة في مقبل أيامها الخضراء، أو كما قالت.
من جهتها، دعت مديرة (مركز سيما)، أ. ناهد جبر الله، لاطلاق حملة (واضحة ومحددة) للقضاء على زواج القاصرات. وأشارت الى أن الأمر لا يحتمل (المماطلة) من المشرعّين القانونيين، ورأت أن الحل لا يقتصر على رفع سن الزواج، بل المضي قدماً في تجريم زواج الطفلات، ولفتت إلى عدم وجود أية عقوبات قانونية تطال المأذون والأب والزوج وأطراف الزواج كافة.
ونوّهت ناهد، إلى ما أسمته بـ (التهيّب) الذي يلازم فتح باب النقاش حول زواج القاصرات، وألقت باللوم على ما رأته (تقصيراً من الدولة والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني)، وأكدت على خصوصية ضحايا العنف، وقالت: (نحن لا نستبيح كشف المعلومات وصور الضحايا، وقرار عرض الصور جاء وفقاً لتوصية من الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين والنشطاء القانونيين، والقضية لا تحمل أية وصمة اجتماعية تجاه الضحايا، وقرارنا بنشر الصور لا يهدف للمتاجرة والشهرة، بل حماية لطفلات أخريات، قد يرميهن حظهن العاثر في ذات المصير).
من جانبها، طالبت رئيس لجنة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، د. عطيات مصطفى، بتطبيق المواد القانونية بقانون الطفل، وتوعية المجتمعات بمثل هذه القضايا، مؤكدة على دور الاعلام والتعليم في التوعية بالقضايا ذات الصلة، مشيرة الى أن قضية الطفلة (اشتياق)، دليل على الجهل المتفشي في بعض المجتمعات، داعية للتوسع في تعليم البنات، مؤكدة على أهمية تحديد سن الزواج، لافتة لحاجة القوانين المحلية للدراسة والموائمة مع القوانين الدولية التي صادق عليها السودان. وشددت د. عطيات، على رفع المستوى الاقتصادي للأسر، وقالت ان الفقر يشكل واحدة من دوافع زواج الطفلات.
في السياق، أشارت محامي الدفاع في قضية الطفلة أشجان، المحامية إيمان المك، على تعدد حالات زواج القاصرات، غير أنها لا تصل للمنافذ القانونية. وأضافت: (لا يمكن تطوير القانون، دون الارتقاء بوعي المجتمع، ولا توجد في القانون سابقة واحدة يستند عليها عن زواج القاصرات
صحيفة حكابات
خ.ي