:: في العام 2003، بعد أول غزو مسلح تعرضت له مدينة الفاشر، غادرنا إلى هناك مع الوفد الإعلامي لمعرفة ما يحدث بشمال دارفور، ولم يكن مسموحاً للصحافة إطلاق أي وصف على الحركات المسلحة ونشاطها العسكري غير ( قُطاع طرق)..وكان الفريق ابراهيم سليمان والياً لشمال دارفور، فسألته : ( هل تفاجأت بهذا التمرد؟)، فاجأب ( لا، كنا على علم بتواجدهم على قمة جبل مرة).. ولأن القوات التي غزت الفاشر بحثت عنه ولم تجده، ثم تحدثت مجالس المدينة عن أسره لعدم ظهوره طوال ساعات الهجوم، سألته : ( أين كنت ساعة الغزو؟، ولماذا لم تظهر طوال ساعات الهجوم؟)، فأجاب الفريق سليمان بمنتهى الأريحية : ( الوقت داك أنا كنت في التهجد في المسجد) ..!!
:: وتقريباً، ما يحدث – منذ شهر ونيف – على طريق القومي بولاية كسلا يشبه إلى حدما بدايات ما حدث بدارفور في ذاك العام..فالنار أولها شرارة.. وإذا نمت هذه البذرة ثم غزت كسلا أو غيرها من مدائن الولاية كما غزت تلك البذرة الفاشر في فجر ذاك العام ، بالتأكيد سوف يجد والي كسلا تبريراً لعدم الرصد والمتابعة والمعالجة بقول من شاكلة : ( أنا كنت في التهجد).. فلندع عمر دمبلاب – رئيس غرفة البصات السفرية بكسلا – يشرح ما يحدث على طريق كسلا، إذ يقول بالنص : ( تم تفويج بعض البصات من كسلا إلى الولايات الأخرى تحت حراسة القوات النظامية، و قد نعلق رحلات البصات في حال عدم تمكن السلطات الأمنية إقتلاع هذه الظاهرة من جذورها، فالظاهرة تستهدف فقط البصات القادمة من الولايات إلى كسلا ) ..!!
:: وما تصفها غرفة بصات كسلا بالظاهرة هي ( بذرة فوضى).. شباب- ينتمون لإحدى قبائل الشرق – يقطعون الطريق أمام البصات وركابها بأسلحتهم النارية، ثم ينهبون السائق والركاب ثم يهربون إلى الفيافي ب (لاندكروزراتهم ).. هذا ما يحدث بكسلا – تحت سمع وبصر من نلقبهم بالمسؤولين- حسب حديث رئيس غرفة البصات وبعض السائقين والركاب الذين تعرضوا ( للنهب المسلح).. والمضحك في الحدث هو إقتراح أحمد جعفر، وكيل بصات الشريف، إذ يقول بعد أن تجاوز إحدى الهجمات المسلحة : ( نقترح أن تجلس سلطات الدولة مع زعيم هذه القبيلة ليكبح جماح أفراده الذين يمارسون النهب المسلح)، هكذا يقترح ..على سلطات دولة – بي حالها – الجلوس مع ناظر قبيلة لتفاوضه على ضرورة كبح جماح (قطاع طرق)..هذا لايحدث إلا في السودان، حيث القبيلة أقوى من الدولة وقطاع الطرق أقوى من أجهزة الدولة وكلمة زعيم القبيلة أقوى من كلمة قانون الدولة..بهذا الإحساس المؤسف قدم وكيل بصات الشريف ( الإقتراح المهين)..!!
:: والمحزن أن طريق كسلا من الطرق التي تقرأ على جوانبها : ( احذر، الطريق مراقب بالرادار)، أوهكذا تحذر سلطات المرور السائق لكي لايتجاوز السرعة المحددة وقواعد المرور.. مراقبة لصيقة لرصد المخالفة المرورية وتحقيق الربط المقدر من الغرامات، وليست هناك مراقبة مسؤولة لحياة السائق والركاب من مخاطر أسلحة جماعات (النهب المسلح)، وكأن الغاية من حياة المواطن في بلادنا هي ( دفع الرسوم والغرامات لخزينة الدولة)، وليس بالضرورة أن يجد – في حله وترحاله – من يدافع عن روحه وأمواله أمام ( قطاع الطرق)..على كل، لمن يهمهم أمر الناس والبلد بشرق البلد : ما يحدث بكسلا بمثابة ( بذرة الفوضى)، ويجب إقتلاعها من جذورها بقوة القانون وأجهزة الدولة..هذا أو فاوضوا زعيم قبيلتهم – كما يقترح وكيل بصات الشريف – بالدوحة أو أسمرا تحت رعاية أمبيكي، عسى ولعل يثمر التفاوض ويُلحق بالتشكيل الوزاري المرتقب وزراء بمؤهلات ( قطاع طرق) ..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]