ولماذا محمد سيد أحمد تحديداً، لماذا لا أحد غيره يوضع في قفص الاتهام تحت عنوان إثارة الفتنة والجنوح إلى فرط العقد الاجتماعي لولا أنه اجترح من إشارات وسلوك وأرسل من عبارات مفخخة بالغة الإثارة إلى جمهور (نيل الحصاحيصا) المسالم منذ مباراته ضد السوكرتا الأولى، بالثغر.
رواية محمد سيد أحمد التي أفاد بها الزميلة السوداني أمس، لا أحد يصدقها، إذ ليس منطقياً أن نكذب كل الشهود ونصدقه وحده، وهو الذي عرف في الوسط الرياضي بضيق الصدر والانفعال والصوت العالي الجهور وتغليب لغة العنف على العقلانية. ولأن ذلك كذلك، فإن سيد أحمد وبدلاً من أن يحاول التخفيف من وطأة ما نتج عن أقواله وأفعاله وانفعالاته وأثرها البالغ في إشعال (هوجاء) الحصاحيصا عمد إلى تحميل ما حدث إلى إثارة الصحف، حين كان عليه أن يصمت حتى ينتهي التحقيق، إن كان هناك تحقيق بالفعل.
سبعة عشر فرداً من (حي العرب) بينهم لاعبون ومشجعون أصيبوا في تلك الهوجاء، بعضهم حالته خطيرة، وهو يبدو مفتوناً بتأثيره السلبي على الجمهور وتجييره إلى القارعة، حد أن الشرق كله اعتبر (سيد أحمد) عدواً وخصماً، ما جعل وزيراً بولاية البحر الأحمر يقول بالحرف الواحد (أن غريمنا هو محمد سيد ولا أحد غيره)، وذهب المليك إلى أبعد من ذلك، إذ اعتبر ما حدث في الحصاحيصا، (وهو بالفعل كذلك) أمر يندي له الجبين، وتنفطر له الأفئدة، وأنه زاد جراحات الوطن، وطعن روابط الإخوة والتواصل غدراً، وحطم كل جسور القيم النبيلة بين أطراف الوطن.
وما بين قوسي الوزير المليك ومحاولة سيد أحمد التملص من مسؤوليته عن ما حدث، يأتي عالم النفس الاجتماعي (غوستاف لوبون) ليشرح لنا كيفية قيادة جمهور كبير وحماسي دون خسائر، ولسيد أحمد نهدي كتاب غوستاف الموسوم بـ(سايكولوجيا الجماهير) بشرط أن يستقيل ويقدم اعتذاراً واضحاً لمن يعتبرونه سبب (الأذية) الكارثية.
يقول غوستاف: “إن روح الجماهير تخضع لتحريضات و إيعازات أحد المحركين أو القادة وفي مثل هذه الحالة من الذعر فإن كل شخص منخرط في الجمهور يكون مستعداً لتنفيذ أعمال الاستثنائية ما كان له أن ينفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة، ويستخدم القائد أو الزعيم في تهييج جمهورة إشارات وشعارات موحية بدلا من الأفكار المنطقية والواقعية، فيسيطر عليها لأن الجماهير مجنونة بطبيعتها، تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل أو لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة وجنون، وأن الجماهير المهتاجة يمكنها أن تهجم على شخص فتذبحه دون أن تتأكد من انه المذنب”.
لولا أن أحدهم لعب دور المهيج والمسيطر على سلوك الجمهور، فإن المتعارف عليها والموثق في سيرة سايكولوجيا جمهوري الحصاحيصا وبورتسودان، أنهما مسالمان يعمدان إلى التشجيع النظيف، ولكن تلك الإشارات وتلك الكلمات التي لا محل لها من الإعراب إلا (الفتنة) أشعلت كل شيء، ولابد من تحقيق نظيف عادل ومنصف.
هتش – صحيفة اليوم التالي