قبل عدة سنوات لاحظت أن زميلا لي في العمل يهمهم ويبرطم، وتبدو عليه علامات الهلع كلما دخل علينا رجل مسن يشغل وظيفة عمالية بسيطة، فاستجمعت جلافتي (والفضول والتطفل في شؤون الآخرين ليس شجاعة!) وسألته عن سر الرعب الذي يسري في أوصاله كلما دخل علينا ذلك العامل فقال: عينه حارة، هنا استجمعت وقاحتي وسألته: وهل قست درجة حرارة عينه بثيرموميتر أو مقياس ريختر؟ طبعا كنت أقصد: هل لديك دليل على أن عين الرجل حارة ومؤذية؟ فقال لي إن الكثيرين في مكان العمل يعرفون الأمر ويتحصنون بالمعوذتين كلما دخل عليهم مقدما الشاي أو جالبا الأوراق والملفات، ودخلنا في جدل طويل، وكانت وجهة نظري هي أن الرجل قد يكون مظلوما، وأن شخصا ما ألحق به التهمة، كما حدث مع آخرين أبرياء، وأنك لو كنت مؤمنا بالله حقا كما أنت مقتنع بـ«حرارة» عين الرجل، لما ارتعبت بعد أن تتحصن… وياما سمعت نساء قريباتي عزون إصابة أطفالهن بالحمى أو كسور إلى أن فلانة أو علانة قالت عنهم إنهم أي العيال «حلوين»! المهم أنني كنت أعرف أن ذلك العامل يحب الثرثرة، وأنه مجامل إلى درجة البكش وأنه يمدح أشياء الآخرين، وصادف أن قال إن فلاناً اشترى سيارة تشبه السيف، وكانت سيارة رياضية شكلها أقرب إلى شكل الضفدع، وبعد يومين أو ثلاثة سمعنا أن صاحب السيارة في المستشفى بعد حادث انقلبت فيه سيارته خمس مرات في شارع رئيسي… قليلون من قالوا إن المصاب جنى على نفسه لأنه كان معروفا بقيادة السيارة بالطريقة الثعبانية بسرعات عالية، ولكن كثيرين ربطوا بين الحادث وما قاله عنها ذلك العامل،… وذات يوم «سايست» الأخير، وبعد لف ودوران أصاب شفتي بالجفاف نصحته بأن يكف عن التعليق وإبداء الملاحظات حول الآخرين وملابسهم وممتلكاتهم، كي لا «يتهموك بأنك صاحب عين حارة»، فكانت المفاجأة أن الرجل أكد لي أن عينه حارة بالفعل، ونصحني أن «أعمل حسابي!!»، هنا استنتجت أن الرجل ربما روج لحكاية عينه الحارة لشيء في نفسه، فهناك أناس يعانون مما يسمى بالإنجليزية «أتينشن ديفيسيت»، وترجمتها غير الدقيقة هي «قصور في الاهتمام»، ومعناها الدقيق هو أن المصاب يفعل أشياء كثيرة، بل ربما يؤذي نفسه للفت انتباه الآخرين، بل معروف أن أمهات مصابات بذلك المرض يؤذين عيالهن ويبلغون المستشفيات عن إصابتهم بأمراض من نسج خيالهن ليصبحن موضع انتباه واهتمام الآخرين!! المهم أنني عرفت لاحقا أنه يبتز بعض زملاء العمل بأن يدخل على الواحد منهم ويطلب منه مالا أو خدمة معينة وهو «يُقلِّب» عينيه فينال ما يريد لأن الكثيرين كانوا يحرصون على شراء رضاه! ثم قرأت حكاية أم صبحي الأردنية التي نقلتها بعض الصحف وأدهشني أنها سردت كيف أنها استخدمت «عينها» لتقطيع ملابس الآخرين، وكيف أن سيدة استأجرت عينها لإيذاء زوجة أخيها فقامت بالمهمة خير قيام فسقط جنين زوجة أخ تلك السيدة، وقالت أم صبحي إن زوجها يخاف منها ولا يرفض لها طلبا، وخاصة بعد أن غادر البيت ذات يوم بعد أن تشاجر معها فأصيب بعلة مفاجئة ألزمته المستشفى… وسألوها كيف تتعمدين إلحاق الأذى بالآخرين وهي مسلمة فقالت: الأمر ليس بيدي؟ بيد من إذن وأنت تبيعين شرورك لمن يدفع؟ ومن الواضح أن أم صبحي هذه بلطجية وتقوم بتسويق قدراتها الوهمية لترويع الناس ومن بينهم زوجها الغبي لجني مكاسب مادية بمنطق: اعطوني ما أريد أكف عنكم عيني.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]