تحسن العلاقات مع الجنوب لا يواكبه تحسن في التناول الإعلامي للشأن الجنوبي في الصحافة الخرطومية فما زالت أخبار الجنوب في هذه الصحافة خالية من أي حساسية تنقصها الدقة وأحيانا لا تخلو من شماتة ومرات يلونها الخوف وفي معظم الأحوال تخلو من النظر للآثار السلبية على العلاقة بين البلدين ولو تحلى التناول بالمصداقية بينما الرقابة الذاتية مازالت لا تفعل ذات الشيء عندما نتناول الشأن المصري او الشأن السعودي إذ نتناوله بكثير من المحترزات فهناك رقابة ذاتية تفرضها العلاقة بين هذه الدول والسودان لا بل امتدت حساسية التناول لبقية دول الجوار مثل إثيوبيا وإرتيريا ولكن فيما يتعلق بالجنوب هذه معدومة.
لنضرب لما ذكرنا آنفا أمثلة عملية ففي الأيام القليلة الماضية كان مرض الرئيس سلفاكير مانشيتا رئيسيا في كل صحفنا ولعدة أيام وكل صحيفة أعطته مرضا يختلف عن الآخر بدءا من الإرهاق الى سرطان الكبد، بل طفق البعض يحلل في تأثير غياب سلفاكير على العلاقة بين البلدين ثم تناسى ذات الإعلام ذلك المرض الخطير عندما روج لقرار ذات سلفاكير بحل مؤسسات الحركة الشعبية وتم تفسيره على أساس أنه يرمي للتخلص من الجناح المناوىء له بينما لم يحل سلفاكير تلك المؤسسات إنما أشار الى إمكانية حل المؤسسات القائمة بالطرق القانونية المنصوص عليها في دستور الحركة.
آخر ما انشغل به الإعلام السوداني هو موافقة برلمان الجنوب على الاستفتاء المضروب الذي أجراه أبناء دينكا نقوك في أبيي وفسر ذلك بأنه توطئة لإجازة الحكومة الجنوبية للاستفتاء ثم دعموا ذلك بخبر عزل الوزير الجنوبي الذي قال بسودانية أبيي وأضافوا إليه بهارات عزل الوزير عبد الله دينق نيال عن منصبه كوزير للبيئة لأن عبد الله ضرب نائب برلماني بونية شافية وتم تحليل هذه المواقف على أساس عدائي للسودان في الوقت الذي اتفقت فيه اللجنة الأمنية المشتركة على كافة القضايا المثارة في الشأن الأمني في اجتماعها الأخير بالخرطوم.
إجازة برلمان الجنوب للاستفتاء المضروب ليس فيه غرابة لأن حكومة الجنوب أصلا متمسكة بأبيي كما هو الشأن مع الحكومة السودانية التي في مقدور برلمانها أن يجتمع اليوم ويعلن عن سودانية أبيي الكاملة وغير المنقوصة وتجيز ذلك الحكومة السودانية ويمهره رئيس الجمهورية بتوقيعه فأبيي أصلا متنازع عليها بين البلدين ولكن المطلوب هو عدم تطوير ذلك النزاع والاتجاه به نحو إشعال الحرب بين البلدين. بمعنى آخر المطلوب تهدئة اللعب ووضع الكرة أرضا مع التمسك بالمطالب وقد عبر عن ذلك أستاذنا عبد الله علي ابراهيم في قوله (أبيي الفورة الف) ولعل هذا هو موقف حكومة الجنوب الحالي التي أثبتت عدم مجاراتها لأبناء أبيي وعدم سيرها بسيرهم ولكن إرضاءهم بعدم الاعتراض على تصرفاتهم ولعل في فعلتهم الأخيرة قد أسقطوا خيار الاستفتاء الذي كان سيفا معلقا على رقبة السودان.
كل الذي ندعو له هنا أن نعامل الجنوب إعلاميا كما نعامل دول الجوار الأخرى بل بحساسية زائدة ليس المطلوب بأي حال من الأحوال أن تتدخل الحكومة بيدها القوية اللاحقة والتي اعتادت على السواطة بها في الإعلام فالذي نطالب به هنا هو الرقابة الذاتية التي يفرضها الإعلامي على نفسه فجرح الجنوب مازال نازفا ولا يحتاج لمزيد من سكاكين الإعلام.
[/JUSTIFY]
حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]