عبدالرحمن المهدي .. ابن الخصم ومساعد في الرئاسة

[JUSTIFY]من مفارقات السياسة في السودان أن العقيد عبد الرحمن نجل أبرز خصوم حزب المؤتمر الوطني الحاكم الصادق المهدي يشغل منصب مساعد الرئيس، ليس هذا فحسب، بل أن نجله الثاني البشرى، الذي التحق بوالده في منفاه الاختياري، ضابط رفيع في جهاز الأمن والمخابرات، نجل المهدي، عبد الرحمن «48 عاماً»، الذي يشغل منصب مساعد الرئيس، كان من أشد خصوم حكومته في الماضي، لدرجة أنه خطط إبان مشاركته في العمل المسلح الذي قاده والده ضد الحكومة في الفترة من «1996 ــ 1999»، للقيام بتفجيرات في العاصمة الخرطوم، لكن مع مرور الأيام توصل إلى قناعة راسخة بأن نظام الخرطوم لا يمكن اقتلاعه بالقوة، فغير سياسته المناهضة الى التقارب مع الحزب الحاكم. عبدالرحمن من أبرز مهندسي اتفاق «جيبوتي» الذي وقعه المهدي والبشير في نهاية عام 1999م، وكان الحدث مثار فرح في الخرطوم، حتى أن البشير وصفه بأنه أشبه باتفاق التعايش السلمي بين الحزبين، وأمر بتوفير حماية لحزب الأمة بعد الرفض والتنديد اللذين قوبل بهما الاتفاق من جانب المعارضة، وأفضى الاتفاق الى عودة المهدي الى الخرطوم وتسريح جيشه «جيش الأمة» بعد نحو «4» سنوات من العمل المسلح. عبد الرحمن أبصر النور، في أم درمان في 11 مارس 1966م، ودرس كل مراحله الدراسية الأولية بالسودان، والتحق بالكلية العسكرية الملكية الأردنية «عمان» عام «1987م» الدفعة «24»، وعقب التخرج التحق بالدفعة «35» بقوات الشعب المسلحة السودانية، برتبة الملازم. وعقب انقلاب عام 1989 تم إعفاؤه من الجيش، لكنه سرعان ما التحق بالعمل السياسي السري لحزب الأمة القومي، وكان عضواً بالمكتب الخاص الذي يقود عمل الحزب بالداخل، ومسؤولاً عن تأمين العمل السري. وتم اعتقاله أربع مرات ومنعه من التنقل خارج العاصمة الخرطوم وحظره من السفر للخارج في الفترة من 1989 ــ 1996م، بيد أنه خطط ونفذ بنجاح عملية تهتدون التي اقتضت تهريب والده الصادق للخارج سراً عبر الحدود الإريترية في 12 ديسمبر 1996م، وتقلد قيادة جيش الأمة للتحرير «الجناح العسكري لحزب الأمة» وخاض معارك ضد حكومة البشير شرقي السودان. وبعد عودة قيادات حزب الأمة من الخارج عقب توقيع اتفاق جيبوتي بين الأمة والحزب الحاكم في نوفمبر 2000م، تقلد عدداً من المناصب في حزب الأمة أبرزها: رئيس لجنة الأمن والدفاع بالمكتب السياسي، وعضو مكتب التنسيق الأعلى، ومساعد والده للأزمات.ومنذ عودته إلى الداخل استبدل نجل المهدي معارضته لنظام البشير بالتقارب معه، وعمل على تقريب وجهات النظر بين الحزبين، ورتب أكثر من مرة لقاءات لوالده مع قيادات رفيعة في الحزب الحاكم، سعياً لإشراك حزبه في الحكومة، لكن مواقفه تلك ووجهت بمعارضة شديدة من قيادات بحزب الأمة القومي، وفي عام 2010م أُعيد الى الخدمة في صفوف الجيش السودان برتبة العقيد، واستقال حينها من مناصبه الدستورية بحزب الأمة، لكنه ظل محتفظاً بعضوية الحزب. ولم تفلح محاولات تيارات داخل حزب الأمة المعارض في نزع عضوية نجل المهدي في الحزب، ورد عليهم والده المهدي بأن عضوية حزب الأمة مثل الجنسية لا تنتزع.

وبعد مرور عام عين العقيد عبد الرحمن مساعداً للرئيس في عام 2011م، وهو ما قابله الكثيرون بالذهول والحيرة والتأويلات الكثيرة، واتهم البعض والده بمباركة تعيين نجله عبر اتفاق مبطن بينه وبين الحكومة عقب لقاءات عديدة جرت بين الحزبين كان يقف وراءها عبد الرحمن، الأمر الذي أحدث زلزلة في صفوف حزب الأمة. ولكن المهدي سرعان ما نفى ذلك، وطفق يمجد نجله واصفاً إياه بأنه فارس خدم القوات المسلحة بإخلاص وقال إن قرار عزله من الجيش كان ظلماً.

وأشار إلى أن عبد الرحمن انقطعت علاقته بحزب الأمة منذ عام 2010م، وقال إن تعيينه مساعداً للبشير لا يمثل حزب الأمة بأي شكل من الأشكال، ولا يتقاطع مع موقف الحزب المعارض. وفي أول تصريح له عقب تعيينه مساعداً للبشير، أشار عبد الرحمن إلى أنه قبل المهمة من موقعه كضابط للقوات المسلحة، حرصاً على المصلحة الوطنية وأنه سيسعى على تحقيق السلام الشامل والعادل والتحول الديمقراطي الكامل والنهج القومي ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

هذه الربكة التي أحدثها تعيين عبد الرحمن في الحكومة وسعي والده وشخصه لنفي أية علاقة لهما ببعض من الناحية السياسية، وصفها القيادي بحزب الأمة القومي عبد الرحمن الدومة «عضو الهيئة المركزية بالحزب»، بأنها غير حقيقية، ورأى الدومة في حديثه لوكالة أنباء الأناضول أن تعيين عبد الرحمن جاء وفق اتفاق بين المهدي والبشير. وتقلد عبد الرحمن، منصب مساعد البشير، أدخل أفراد أسرته خاصة شقيقاته رباح ومريم التي تشغل منصب نائبة والدها في الحزب، المعروفتين بمناهضتهما لنظام الخرطوم، في موقف حرج، وساهمت في فتور العلاقة بينه وأسرته، وبات عبد الرحمن لا يتواصل بشكل دائم مع أسرته، وروى عبد الرحمن لمقربين منه، أنه بات في الفترة الماضية، يتواصل معهن عبر مجموعة خاصة بالأسرة على تطبيق التواصل الاجتماعي «واتساب».

وإن كانت السياسة فرقت السودانيين الى صفوف مختلفة، فأجبرت عبد الرحمن على السكن بعيداً عن عائلته بمدينة أم درمان واختيار السكن في حي آخر، ورغم مغازلة عبد الرحمن للسلطة ردحاً من الزمان، إلا أن غالبية أنصار حزب الأمة يراهنون على أن المهدي يعمل على تجهيز نجله عبد الرحمن لتولي رئاسة الحزب خلفاً له، ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين أسامة زين العابدين أن أسرة «المهدي» ظلت تتقاسم الأدوار وتوزيع أبنائها في المعارضة والحكومة، واستشهد زين العابدين في حديثه للوكالة الأناضول، بوجود عبد الرحمن في الحكومة وشقيقاته مريم ورباح في المعارضة. غير أن عبد الرحمن واجه ضغوطاً نفسية حادة عند اعتقال والده، مما جعله يتردد عليه في محبسه بسجن كوبر العتيق، بشكل يومي، وكشفت تسريبات صحفية، عن عزوف نجل المهدي عن مباشرة مهامه فى القصر الرئاسى لنحو أيام، ودخل في حالة شبيهة بالعزلة، لم يخرج منها إلا عقب إطلاق سراح والده بعد نحو شهر، ولم يجد عبد الرحمن مفراً من إرضاء والده عندما أفرج عنه سوى الترجل من سيارته إلى باب السجن ومعانقة والده والذهاب معه إلى منزل الأسرة بضاحية الملازمين بأم درمان غربي الخرطوم، لمشاركتهم فرحة إطلاق والدهم.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version