رغم الضائقة المعيشية.. أفراح وتواصل واستمتاع بالخروف

أخيراً اكتملت لوحة عيد (الأضحى) المبارك.. لكن بألوان تبدو محايدة جداً.. وتوارت قليلاً الألوان الصارخة من ضفائر الفتيات الصغيرات بأشرطتهن الملونة التي تزين الشوارع ومتسكعيها.. وخلت شوارع الخرطوم من المارة ووجوه الأطفال الطلقة.. ربما لالتفافهم حول الأضحية أو مشاهدة القنوات الفضائية.. وتوجس الكبار خيفة بانتخابهم للصمت مع بعض الهمهمة المتضجرة من المطبات الاقتصادية وغلاء الأسعار، فحلقوا ببطء بمحاذاة أوضاعهم المادية خوفاً من الانزلاق في وحل الإنفاق بغية إكمال الشهر قدر الإمكان دون ديون.. إضافة إلى الإجازة الطويلة التي (رحمنت) قلوب العاملين بالدولة… فجعلت البعض يؤجل الزيارات إلى الأيام الأخيرة، والبعض الآخر مسافراً إلى الولايات للقاءات (العيد الكبير).
أما الأمسيات فقد اكتملت باكتظاظ المطاعم ومحلات (الآيس كريم) ثم الحفلات الجماهيرية.
ورحمة المولى عز وجل تتبع العبد أينما حل، وبرغم الضائقة المعيشية وخلافه، فقد تحايل الجميع على الظروف وعاشوا نفس الفرحة القديمة لكن بشكل آخر خصوصاً وأن العيد إحساس جماعي يعم الناس بعدوى تتغلب على كل المصاعب.. لكن تظل الصورة متأرجحة فآثرت عين (المجهر) رؤية ما حدث عن قرب..
خروف سامسونج جلاكسي
ولأن الذهن الشعبي الذكي كعادته يتحايل على الظروف بدعابة حتى يحتملها وتصبح حلوة على قلبه فيستعير ما يشاء من الأسماء فيبدو أن (الهاتف الجلاكسي) مازال سيد الموقف منذ عيد (الأضحى) الماضي، وقد اتضح لنا ذلك من خلال حديث التاجر “عبد الصمد جديد” الذي بادر بافتخار وكأن بإمكانه الاتصال بجوالي عبر خرافه السمينة، فذكر أن أغلى خرافه بـ(1700) جنيه اسمه (سامسونج جلاكسي)، لكن الجلاكسي ذاتو أنواع مثلاً (جلاكسي إستار) بـ(700) وهو الأقل سعراً، لكن تضررنا كثيراً من طرق بيع الخروف بالأقساط.
قام أتعزز الضباح
وتبعاً لارتفاع أسعار الخراف فقد ارتفع سعر الضباح، فقد تجاوزت الأسعار السبعين جنيهاً حتى المائة.. لذلك التجأت بعض الأسر لأبنائها، فكثيراً ما تقع أعيننا على بعض الشباب في الأحياء وهم يقومون بعملية الذبيح بأنفسهم.
العالم الواقعي والافتراضي
أما بخصوص عالم الأسافير، فقد تضاءلت رسائل الـ(sms) واختفت تلك الرسالة الشهيرة (قبل اللحمة والشطوط وقبل الخطوط تجوط..الخ) لترتاح الخطوط ويستلقي الناس طول اليوم على خدمات (البرودباند) في (الواتس آب) و(اللاين).. لتصبح التهاني فورية مصورة عسى ولعل أن تبث الأشواق بصورة ناصعة وحتى نتذوق طعم العيدية من خلال الوسائط الحديثة سألنا الأستاذة “هديل محمد عبد الرحمن” فبادرت قائلة: التهاني عبر (الواتس آب) وباختصار يكمن جمالها في وجود الكل من حولي في لحظة واحدة.. لكن أفقدتني الخصوصية الحصرية (فالكل هنا يهني.. لكن الاستعانة بآلية (الرسائل القصيرة) والاتصال تجعلني في مصافٍ أعلى من البقية.
الأستاذة “هديل” أدخلتنا في مقارنة جديدة جعلتنا نعود سريعاً إلى الوراء من خلال العم “عمر النور” الذي تحدث على عجالة وهو يقود سيارته عليها أفراد الأسرة، فرد قائلاً: الغرض الشوفة وطالما في زمن وصحة أنا ما بقيف من زول.
التوثيق في العيد
يبدو أن هذا العيد كان الأكثر توثيقاً لكل اللحظات عبر الهواتف الذكية، فقد آثر الجميع تصوير كل اللحظات العائلية الحميمة ابتداء من شراء الخروف ثم ذبحه وإخطار المجموعات بالضيوف والمناسبات وصلاة العيد والفتيات في طرق ترتيب البيت، أما الأكثر تصويراً على مستوى عالٍ فكانت صينية الفطور في صباح اليوم الأول لتتشارك (قروبات الواتس) في كل اللحظات الجميلة.
ورغم أن الصمت كان هو الحكم لانكفاء الكل حول جوالاتهم والاستعاضة عنها باللمس عبر أطراف الأصابع، لكن يظل عيد (الأضحى) هو الحد الفاصل والنهائي لكل خصومة وممحاة للقلوب لأنه يجمع الكل في البيت الكبير وكل يوم (ضابح زول) لاسيما وأنه توقيت لكل الغائبين من الطيور المهاجرة بإقامة المناسبات حتى يستطيع الجميع حضورها والكل ممنياً نفسه بنكهة مختلفة.

آيات مبارك: صحيفة المجهر السياسي

[/SIZE]
Exit mobile version