يستقبل «30» ألف إتصال شهرياً :«9696» بلاغات إغتصاب الأولاد أكثر من البنات

بأصابع مرتعشة، وأنفاس متقطعة ضغطت «ليلى» على أرقام هاتفها تسعة… ستة.. تسعة.. ستة، وضعت السماعة على أذنها وهي تصرخ بين دموعها وغضبها وألمها قائلة: الحقوني.. ولدي «مهند» اغتصبه أبناء الجيران؟ .. كانت الكلمات موجعة عبر أثير الهاتف وهي تنتقل إلى (الإختصاصية النفسية) في وحدة حماية الأسرة والطفل التي تظل طوال اليوم تضع سماعة الهاتف على أذنها لإلتقاط ذبذبات معاناة الاسر وأوجاعها، ومشاكلها واستغاثات الاطفال.. كانت تستمع بحسرة وألم لمأساة تتكرر كل يوم في مجتمعنا .. يختلف الأبطال والوقائع والحزن ذات الحزن
—-

حكاية مهند
بدأت فصول المأساة عندما خرج الصغير «مهند» «5» سنوات ليلعب في الشارع فأخذه ثلاثة من أبناء الجيران تتراوح أعمارهم بين ««81» – «02» – «32» سنة» إلى داخل المنزل وتناوبوا اغتصابه فيما بينهم وحاولوا ارضاءه بإعطائه حلوى ونقوداً حتى لا يتحدث بفعلتهم النكراء!!!
ولكن «مهند» عاد إلى والدته وهو يبكي بحرقة فسألته عمّا به فأخبرها أن «فلاناً» ومعه أثنان عملوامعه «حاجات ما كويسة».
كان «مهند» يبكي بحرقة وألم لأن العملية تمت معه بعنف، والدته إتجهت مباشرة الى بيت الجيران ووجدت الشباب الثلاثة موجودين كما اخبرها ابنها فأستعانت برجل يسكن جوارهم ليبقي على الشبان في مكانهم ريثما تصل الشرطة.
واتصلت «الأم» على الرقم «9696» وتحركت قوة برئاسة أحد الضباط لمعاينة مكان الحادث ومعهم معالج نفسي وباحث اجتماعي و «فريق» التنفيذات حيث تم التحفظ على المتهمين وزيارة مكان الحادث «بيت الجيران» وتم نقل الجميع إلى وحدة حماية الأسرة والطفل.
وفي الوحدة تم امتصاص الصدمة النفسية للطفل واستخراج اورنيك «8» والإستعانة بالطبيب الشرعي الذي اجرى الفحص الطبي واكد أن الطفل تعرض لعنف جسدي وإغتصاب وأن هناك ممارسة عنيفة تمت معه وظهرت آثار كدمات وتقرحات وسوائل وإرتخاء في فتحة الشرج.
قام الطبيب بأخذ عينة من السوائل وارسالها الى المباحث الجنائية لكشف الـ «DNA» (الحمض النووي) وجاءت النتيجة لتوضح ان السائل النووي يحتوي على (ثلاث) عينات مختلفة.
عقب ذلك وبعد الإستماع لأقوال المتهمين الذين أقروا بالجريمة تم تحويل الطفل الى وحدة الدعم النفسي والإجتماعي.
ومن خلال الدراسة النفسية التي أُخضع لها الطفل أتضح انه في مرحلة (الروضة) وأنه ذكي جداً من خلال إختبارات الذكاء، وأوضحت الدراسة الاجتماعية أنه يعيش وسط أسرة مستقرة وميسورة الحال في جو عائلي حميم.. و«مهند» محبوب جداً وسط أفراد الأسرة.. مما يوضح أنه أجبر على هذه الممارسة.
وقررت شعبة الدعم النفسي أن «مهند» يحتاج للعلاج فترة «ستة أشهر» وعقدت جلسات إرشاد للأم والاب وحتى أفراد العائلة للتوعية ومعاملة الطفل بلطف وعدم توبيخه وتحميله مسؤولية ما حدث.
اما المتهمون الثلاثة فقد صدر حكم بحق المتهم «81 سنة» بتحويله للبقاء في الاصلاحية فترة عامين، وعلى المتهمين «02 سنة» و «32» سنة بالسجن أربع سنوات.
ولأن الأسرة انفقت الكثير من الاموال في علاج ابنها فقد تم استئناف القرار فصدر حكم بتعويض الاسرة بمبلغ «3» آلاف جنيه.

وحدة حماية الطفل
إنتهت قصة «مهند» التي تشبه عشرات القصص، وعندما تدلف الى وحدة الأسرة والطفل تجد عبارات. (إذا بلغت بتحمي الطفل واذا سكت بتحمي المجرم) (أي ولد – بنت تعرض للاستغلال او التحرش الجنسي يحتاج إلى مساعدتك). (وحدة حماية الاسرة والطفل تقدم خدمات مجانية وسرية للبنات والأولاد دون الـ «81» سنة.. هذه العبارات معلقة على كبائن الاتصال التي يجلس بداخلها عدد من الشابات يقمن بأستقبال المكالمات من كل أنحاء السودان والتفاعل معها.
التقينا إحدى العاملات بالوحدة (فضلت حجب اسمها) وسألناها:
? متى تلقيتم أول إستغاثة او إتصال هاتفي؟
– كان في أول «فبراير» من هذا العام وفي البدء كانت تأتينا مكالمات عن طريق الخطأ مثل أن يقول لك أحدهم: «حولي لي رصيد» أو سمعيني أغنية.
وبعض الأمهات يحدث خلط بالنسبة لهنّ في ماهية الرقم فمنهن من تقول لك ابني «عيان ودايرة ليهو دواء.
فهناك سوء فهم لانشاء هذا الخط، ولكن الآن بدأ الناس يفهمون انه خط لمساعدة الاطفال، وبعد ذلك بدأت ترد الينا البلاغات والشكاوى والمشاكل الأسرية والاستفسارات النفسية.
? كيف يتمكن الطفل من حفظ الرقم وخلق علاقة وطيدة مع الوحدة؟
– نخرج بمحاضرات تنويرية في المناطق الطرفية ورياض الاطفال، والمدارس، ونعمل على توجيه الآباء والأمهات الى ضرورة ان يحفظ الطفل رقم والديه حتى إذا حدث وتاه تستطيع الوحدة الاتصال بأهله ليتم استلامه.
أما أطفال (الرياض) أي الاطفال في مرحلة التعليم قبل المدرسي فنطلب منهم أن يرسموا الرقم على الأرض شكلاً اذا كانوا لا يستطيعون حفظه ويتم تحفيظهم الرقم «999» ونخبرهم كيف يصرخون ويستنجدون بالناس.
? ماذا يحدث عندما يرن جرس الهاتف «9696» ويكون هناك طفل يحتاج لمساعدة؟
الذين يتلقون المكالمات داخل كبائن الاتصال في الوحدة هم متخصصون في علم النفس والاجتماع وعند رنين الهاتف ليخبر عن وجود حالة إغتصاب نتحرك فوراً من الوحدة أو عبر عربات الـ «999» وفي حالة وجود الجاني والمجني عليه نوضح للمتصل ضرورة الاحتفاظ بملابس الطفل والذهاب إلى أقرب مستشفى لإجراء التقرير الطبي لحفظ الآثار وحفظ حقوقهم وهناك من يتأخرون في الابلاغ ولا يذهبون الى المستشفى فنستعين حينها بالطبيب الشرعي المختص الموجود معنا دائماً في الوحدة وندون البلاغ في استمارة ونقوم بمتابعة الحالة.
? هل ترد اليكم شكاوى واستفسارات من الأقاليم؟
– نعم وهي كثيرة وعندما يرد الينا اتصال من الاقاليم نحدد نوع الاتصال ونوجه الاتصال فوراً الى الوحدة المختصة في الاقليم من خلال ورقة معدة مسبقاً أمام كل واحدة من العاملات في الكبانية.
? ماهي اكثر المناطق التي ترد منها اتصالات؟
– بعد دراسة مستوفية أتضح أن معظم الضغط على هواتفنا في الرئاسة يأتي من شرق النيل، وأم درمان لذلك تم افتتاح وحدتين في شرق النيل مدينة الفيحاء ومدينة النخيل بأم درمان وبذلك انخفض الضغط على الوحدة في الخرطوم بعد أن تم تقليل الضغط عبر الوحدات في الأقاليم وفي ولاية الخرطوم.

بدون خجل
? علمت أن الوحدة إستقبلت مئات المكالمات الهاتفية، ما الذي يجعل الاتصال عبر الهاتف مرغوباً الى هذا الحد؟
– الإتصال يعطيك فرصة أن تحكي عن مشاكلك دون خجل خاصة المراهقين واكثرهم من البنات اللائي تتراوح أعمارهن بين «41 – 81» عاماً فهؤلاء مشاكلهن كثيرة.
? مانوع المشاكل التي ترد اليكم من العمر «41» سنة؟
– مشاكل كثيرة ومختلفة، فمثلاً تشكو الأمهات من العنف الزائد للأولاد داخل البيت ومن تغير سلوكهم وهناك بعض الأُسر تجعل أبناءها يتحدثون الينا عبر الهاتف مباشرة وتستمر المتابعة بيننا والأسرة لحالة الإبن والحمد لله كثيرون رجعوا عن الطريق الخطأ.
? هل ترد إلى الوحدة اتصالات بحدوث حالات إغتصاب؟
– حالات الاغتصاب كثيرة جداً وحالات إغتصاب الأولاد أكثر، أما البنات فالحالات يكون اكثرها تحرش.
وأغلب حالات الاغتصاب السبب فيها الإهمال سواء من البيت أو المدرسة، وهناك حالات إغتصاب مثلاً بسبب الاهمال من المدرسة فهناك مدارس لا يوجد بها خفير، فالخفير يأتي ليلاً ليحرس المؤسسة وليس لحراسة الأطفال.
وعادة يكون المغتصب هو أقرب (زول ليك) العم او الخال، أو ابن العم و (لو طلع بره شوية) تلقاهو (ود الجيران) و (سيد الدكان).
وهناك اتصالات كثيرة تأتي من أمهات يشتكين من عدم تركيز ابنائهن، والتبول اللا إرادي وكثير من البلاغات تأتي من الأقاليم ولكن بلاغات العاصمة هي الأكثر، والاطفال التائهون يشكلون نسبة كبيرة جداً من تلك الإتصالات.

أطفال تائهون
? بعد هذا الحديث صعدت الدرج إلى أعلى لمقابلة إحدى العاملات بالوحدة النفسية واللاتي يعملن على معالجة الحالة النفسية وعلى معالجة الحالة المتصلة بعد تصنيفها فوجدت طفلين في عمر «6» سنوات يجلسان في صالة مهيأة ونظيفة تمتليء بلعب الأطفال والأشكال المرحة وتجلس معهما إحدى العاملات بالوحدة وهي تحيطهما برعايتها.
وكانوا يشاهدون فيلم «توم آندجيري» في قناة «mbc3» المخصصة لبرامج الاطفال.
سألت عنهما فعلمت أنهما تائهان من ذويهما وعادة يأتون إلى الوحدة عبر الدوريات أو بلاغات المواطنين واذا تعرف الطفل على عنوانه تتحرك به العربة ويتم تسليمه لذويه بعد إرشادهم عن كيفية المحافظة على اطفالهم وما يمكن أن يصادفهم من مخاطر، وتأخذ الوحدة عليهم تعهد بحسن الرعاية وعدم تركه يتجول في الشوارع وحيداً.
واذا حدث ولم يتعرف الطفل على عنوانه بسبب تخلفه عقلياً او صغر عمره تستعين الوحدة بدور الرعاية الاجتماعية والأسر البديلة وذلك عقب تصويره وعرض صورته في الصحف اليومية وتوزيعها على أقسام الشرطة.
واذا كان الطفل التائه من الولايات الاخرى خارج العاصمة يسافر معه «حرس» ويسلمونه لأهله وكثيرة هي حالات الأطفال التائهين من الولايات، وعادة تعمل الوحدة على علاج السبب الذي من أجله خرج الاطفال من البيت اذا كان ثمة مشكلة مع ذويه.

الدعم النفسي
التقينا بعد ذلك بـ «سناء عوض» وهي معالج نفسي بالوحدة. فقالت: شعبة الدعم النفسي والاجتماعي تعمل على إعادة التأهيل النفسي والسلوكي للأطفال المجني عليهم وعلاج الصدمة النفسية وعمل دراسة نفسية أيضاً للأطفال الجانحين والجناة وتهتم بالطفل الجانح اقل من «81» سنة بنفس قدر الاهتمام بالمجني عليه..
وهناك حالات تأتي إلى الوحدة من غير إجراءات بلاغ او إجراءات جنائية مثل حالات التفكك الأسري فتقوم بدور الإرشاد النفسي وبعض الحالات تكون سرية ولا يرغب في المجيء الى الوحدة.
وترد الينا اتصالات من أزواج يحكون عن مشاكلهم الزوجية وكذلك زوجات يشتكين من «ازواجهم» وهناك من يكتفي بالاتصال وهناك من يحتاج لأن تصلهم.
وتشمل الاتصالات كل انواع المشاكل فهناك مشاكل أسرية في تربية الاطفال حسب وجهة نظر كل أب وأم ومشاكل في حالات الانفصال، ومشاكل جنسية وتتم الحلول في سرية تامة فشعارنا ان لاتخرج اية معلومة خارج نطاق الوحدة.
عقب هذه المعلومات التقينا بالاستاذ عماد عكود من وحدة حماية الاسرة والطفل وسألناه:
? إلى أي مدى استطاعت الوحدة توصيل رسالتها عبر الرقم «9696»؟
– تمكنت الوحدة من انشاء خدمة خط مساعدة الاطفال «9696» وتوصيل رسالتها عبر الخط إلى مختلف الولايات وذلك عبر وسائل الاعلام المختلفة مما جعل كثيراً من الاطفال والأسر تعكس مشاكلها وقد شملت برامجنا أياماً مفتوحة في حدائق (القرشي- عبود – البحيرة) وهناك محاضرات في الأحياء الطرفية والمدارس ورياض الاطفال.
وقد تفاعل المواطنون مع الرقم نجد التفاعل واضحاً من خلال عدد المكالمات التي ترد للخط وتحتوي على مشاكل أسرية ونفسية بجانب بلاغات العنف بمختلف أنواعه (جنسي – جسدي – أهمال).
? ما هي اكثر الفئات المتصلة على الرقم؟
– اكثر الفئات اتصالاً بين عمر (21-71) سنة من المراهقين وما لديهم من إستفسارات واستشارات نفسية وممارسات خاطئة أو تعرضهم للتحرش والعنف الجنسي، بجانب المشاكل الاجتماعية، وايضا هنالك اتصالات من اولياء الامور عبارة عن استشارات وبلاغات مختلفة. ايضا تأتي إفادات من أطفال تعرضوا للإعتداء او التحرش الجنسي.
والآن وبعد ظهور حماية الاسرة والطفل ووجود نيابة متخصصة للأطفال نشجع الأسر على التبليغ والحرص على حق الطفل.
? كيف السبيل إلى المناطق التي تفتقد لوسائل الاتصال؟
– هناك ورش تنويرية تمت تغطيتها عبر كل وسائل الاعلام من تلفزيون واذاعة وصحف بجانب المطبقات والملصقات التي توزع.
? أليس هناك إتجاه لإعداد دراسات وبحوث عن نوعية الاتصالات التي ترد عبر الخط؟
– لدينا تقرير إسبوعي وآخر شهري يتضمن البلاغات والاستفسارات والمشاكل الأسرية ومتابعة الحالات النفسية والقانونية بجانب الزيارات الميدانية.
? ألا يدل ارتفاع معدلات الإغتصاب والتحرش الى أن الوحدة ما زالت بعيدة عن الواقع الحقيقي؟
– هذا لا يدل على ان الوحدة بعيدة عن الواقع الحقيقي للوضع في المجتمع، انما يرجع ذلك إلى أن الحالات موجودة اصلاً وجاءت الوحدة لترفع الستار عن هذه الجرائم التي كانت تعد وصمة للأسرة اذا تم طرحها والاحساس ان حقوق الطفل مهضومة بجانب أن الخوف كان يمنع الأسر من التبليغ لعدم الرغبة في إيذاء مرتكب الجريمة وفي الغالب يكون شخصاً مألوفاً أو أحد الاقارب.

المحررة:
بلغت جملة الاتصالات التي وردت الى الوحدة في شهر واحد اكثر من «30» ألف اتصال حسب مصادر «الرأي العام» تنوعت بين مشاكل أسرية، وإستشارات نفسية، وبلاغات تحرش وإغتصاب واستفسارات عن طبيعة خط الاتصال «9696» المجاني.
هذا العدد الكبير من الاتصالات يوضح حجم المشاكل والأزمات التي تمر بها شريحة عريضة من المجتمع، وتوفير آلية اتصال مجاني لبحث هذه الأمور هي خطوة في الطريق تحتاج إلى خطوات اكبر بتوسيع قاعدة الاتصال ليشمل فتح مراكز إضافية في أطراف العاصمة، وترتيب المزيد من حملات التوعية والإرشاد للوصول إلى مجتمع معافى.. أسرة مستقرة.. طفل آمن..
سهير عبد الرحيم: الراي العام

Exit mobile version