حادثة الطائرة التي مر عليها نحو خمسة عشر شهراً كانت رسالة احتجاج سعودية شديدة اللهجة للتقارب بين طهران والخرطوم.. لم تعتد الدبلوماسية السعودية أن تتعامل بمثل هذه الخشونة في تمرير وجهة نظرها.. خصوصية المملكة الحاضنة للبقاع الإسلامية المقدسة جعلها بلداً تأوي إليه أفئدة المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.. بل إن بعض الرؤساء الذين تعرضوا إلى هزات جعلتهم يطرقون أبواب المنافي لم يجد هؤلاء إشارات ترحيب خضراء إلا في السعودية.. مكث الرئيس اليوغندي المخلوع عيدي أمين سنوات في أرض الحجاز.. كذلك فضل الرئيس زين العابدين بن علي الإقامة في السعودية بعد أن زلزلت الأرض تحت أقدامه.
قبل يومين غادر الرئيس السوداني المشير البشير بلاده لأداء مناسك الحج.. رغم خصوصية الرحلة الدينية إلا أن المشير البشير وجد ترحاباً فوق المتوقع.. حيث اجتمع به ولي العهد السعودي في جلسة لها ما بعدها.. الاجتماع لم يكن مراسمياً حيث حضره من الجانب السعودي مسؤولون كبار أبرزهم مدير المخابرات السعودية الأمير خالد بن بندر.. حسب الزميلة أخبار اليوم إن الاجتماع أثمر عن رفع الحصار المصرفي المفروض على السودان.. بل توقعت ذات الصحيفة أن يلتقي الرئيس البشير في ختام رحلته جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز.
في تقديري ما كان لهذا التحول الكبير أن يحدث لولا الخطوة السودانية المفاجئة في تجفيف النفوذ الإيراني.. قرار سياسي واحد صائب أدى إلى هذا الانفراج الكبير في العلاقة ما بين الخرطوم والرياض.. السعودية تستحق مثل هذه التنازلات فهي الجار الجنب الذي فشل حتى البحر الأحمر في أن يكون عائقاً يحول دون انسياب المصالح بين الشعبين.. السعودية أيضاً تمثل مركز ثقل دبلوماسي واقتصادي في المنطقة.
حسناً.. كانت إيران ضربة البداية في إعادة السودان إلى موقعه الطبيعي المحايد في الصراعات الإقليمة.. ما زالت هنالك خطوات مهمة جداً.. يجب ألا يفهم أن السودان يساند دولة قطر في خروجها على السرب الخليجي المحافظ.. لمسة دبلوماسية يمكن أن تعيد التوازن في موقف الخرطوم.. أن يتقدم الرئيس السوداني بالتماس إلى جلالة الملك في أن تستضيف السعودية ملتقًى تشاورياً يجمع الفرقاء السودانيين.. مجرد أن تحتضن جدة السعودية مثل هذا اللقاء يعني جذب السعودية وثقلها السياسي والاقتصادي نحو الأزمة السودانية.. عبر هذه الخطوة تؤكد الخرطوم أنها ليست جزءاً من لعبة المحاور في المنطقة.
بصراحة.. السعودية المحطة الأهم في كسر عزلتنا الخارجية.. ستحقق حجة الرئيس منافع أخرى لو حركت الدبلوماسية السودانية قطعة الشطرنج الصحيحة.
عبدالباقي الظافر- التيار