تعيد التظاهرات التي تعيشها هونغ كونغ هذه الأيام إلى أذهان البعض مشاهد من بدايات الحراك الشعبي، الذي عرفته بعض الدول العربية في إطار ما سمي بأحداث “الربيع العربي”، فالمحرك هذه المرة أيضا هو الشباب كما أن المطالب أيضا متشابهة وعلى رأسها تحقيق الديمقراطية وتكريس ثقافة حقوق الإنسان.
لكن الأمكنة والثقافة وطبيعة المجتمع مختلفة بين البلدان العربية وهونغ كونغ. فهل يمكن المقارنة بين هذه التجارب؟ وهل يمكن أن نصف جوشوا وونغ، بوائل غنيم هونغ كونغ؟ وما هي المكاسب التي قد ينجح شباب هونغ كونغ في تحقيقها ولم ينجح شباب الثورة في دول مثل مصر في تحقيقها؟
الديمقراطية أولا
فيما يربط البعض بين مظاهرات هونغ كونغ الحالية والحراك الذي عرفته دول عربية وأدى إلى تغييرات جذرية فيها، يعتقد البعض أن التجربتين مختلفتان. لكن أحمد قنديل خبير الشؤون الآسيوية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في مصر يرى أن هناك تشابهات واختلافات بين التجربتين وتكمن الأولى أساسا في كون هذه الحركات في كلا التجربتين حركات سلمية ضخمة تحاول التصدي لنظام سلطوي قمعي لا يسمح للقوى الاجتماعية المختلفة بالتعبير عن آرائها بحرية. ويضيف في حوار مع DWعربية “هي تتشابه أيضا في أن القوى الفاعلة فيها هي من الشباب وطلاب الجامعات المنتمين إلى الطبقة الوسطى في المجتمع والذين لديهم مهارات أكبر في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.
ويرى الخبير المصري أن مطالب الشباب تتشابه خاصة مع تلك التي رُفعت في المراحل الأولى من “ثورات الربيع العربي” والتي كانت تتمحور حول إصلاح ديمقراطي وإنشاء نظام ليبرالي تعددي يسمح باستيعاب مختلف القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة.
لكن بخلاف هذا الرأي يرى عماد الدين حسين رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية أن لا تشابه بين التجربتين. ويقول في هذا السياق خلال مقابلة أجرتها معه DWعربية “أنا لا أرى أية علاقة بين ما يحدث في هونغ كونغ والأحداث التي عرفتها بلداننا. هناك اختلافات كبيرة سواء من حيث مستوى تطور وظروف كل بلد وأيضا معطياته المجتمعية، خاصة أننا نرى أن التجارب العربية في حد ذاتها تختلف فيما بينها على بعض الأصعدة”.
هل يتحول جوشوا وونغ إلى وائل غنيم هونغ كونغ، أما التجربتان مختلفتان؟
أما الاختلافات بين التجربتين حسب اعتقاد قنديل فتكمن في وجود صمت إعلامي كبير خاصة من طرف وسائل الإعلام الصينية حول ما يجري في هونغ كونغ حتى لا ينتقل ذلك إلى باقي أنحاء الصين، بينما كان التواجد الإعلامي في حالة الدول العربية أقوى، كما أن الدول الغربية أبدت تأييدا لمطالب المتظاهرين في هذه الدول، في حين لا يبدو حتى الآن توجه غربي للتدخل فيما يحدث في هونغ كونغ. حسب اعتقاد الخبير المصري.
اختلاف آخر يذكره قنديل وهو عدم سقوط قتلى حتى الآن في هونغ كونغ “على عكس الصدامات العنيفة والدموية التي عرفتها دول الربيع العربي والتي أدت إلى حشد الجماهير داخليا وخارجيا ضد الأنظمة المسؤولة”.
جوشوا وونغ المراهق الذي نجح في حشد الآلاف ضد حكومة بكين مازال يخطف الأضواء مع دخول اليوم الرابع للاحتجاجات التي تعرفها هونغ كونغ، مثلما خطفها قبله وائل غنيم الناشط المصري الشاب خلال ثورة 25 يناير في مصر. ويرى قنديل أن المعلومات المحدودة المتوفرة عن وونغ تشير إلى أنه قد يصبح وائل غنيم هونغ كونغ “فهو يلعب دورا كبيرا في تحريك الجماهير ضد السلطة مستخدما فيسبوك، كما أنه تعرض للاعتقال وبقي في الحجز ليومين وفي كل ذلك هناك تشابه كثير مع ما حدث مع غنيم”.
ما مصير شباب الثورات؟
يرى قنديل أن الأمور تسير في مسار خطير بين المتظاهرين والسلطة الحاكمة ويزيد من احتمال عدم الاستقرار أكثر وجود فجوة وتباين كبير في مواقف الجانبين وعدم تقديم أي طرف لتنازلات، حسب اعتقاد الخبير المصري. وعن ردة فعل الحكومة الصينية في حالة حدوث تصعيد، يقول “السلطات لن تقبل باستمرار هذه المظاهرات وربما تتعامل معها إذا استمرت، كما تعاملت من قبل مع مظاهرات مماثلة كانت حدث في ميدان تيانمين في بكين عام 1989، عندما واجهت المتظاهرين بالدبابات، ما أدى لوقوع مئات القتلى والجرحى” هذا التعامل سيكون ضرورة قصوى بالنسبة للصين باعتقاد قنديل للحفاظ على وحدتها وتماسكها.
وفي الوقت الذي يتقدم فيه شباب هونغ كونغ لصنع القرار وتحديد مصيرهم، توارى شباب الثورات إلى الوراء في بلدان عرفت حراكا شعبيا تاركين الساحة في ظل تزايد الأزمات والانقسامات السياسية في بلدانهم. في مصر مثلا يقول عماد الدين حسين إن شباب الثورة انقسموا بعدما كانوا متحدين في ثورة 25 يناير. ويقول “التعامل مع شباب الثورة على أنهم كتلة موحدة هو خطأ. هم اتحدوا ضد مبارك ولكنهم بعد ذلك تفرقوا على الأحزاب والتيارات السياسية المتواجدة على الساحة، وتصارع هذه القوى أدى إلى انقسام في صفوف الشباب أيضا”.
ويضيف حسين أن هناك عزوفا من طرف الشباب المصري عن السياسة حاليا خصوصا مع صدور قانون التظاهر”. وعما إذا كانت ردة فعل السلطات الصينية ستتخذ نفس النهج القمعي الذي اتخذته أنظمة عربية يقول حسين “يجب أن لا ننسى أن الصين هي الرائدة في مجال القمع وكبح الحريات وليس العرب. الصين ليس دولة شعارات الديمقراطية والحرية. وفي حالة هونغ كونغ لا أظن أن الصين ستغير من توجهها. التجارب السابقة أثبتت أن تعامل السلطات الصينية لن يتغير وإن تغيرت الوسائل المستعملة”.
DW