لأن معظم قصاصات الصحف التي أحرص على الاحتفاظ بها تتعلق بأمور التربية والتعليم، لم أفاجأ باحتفاظي بحكاية الطفل السعودي الموهوب محمد المالكي الذي قررت إدارة التعليم في منطقة مكة المكرمة تكريمه قبل بضع سنوات، وقدمت الإدارة جائزة لمحمد ابن الست السنوات وحمل الصغير الصندوق الكبير ذا التغليف البديع وسط التصفيق الشديد، وفتح الصبي الصندوق وقلبه يخفق من الترقب والفرح ولكنه فوجئ بأنه يحوي أربعة صحون (أطباق) صيني، فأصيب بالحزن والإحباط! وهذا أمر طبيعي فشخص في مثل سن محمد لم يكن سيفرح حتى لو كانت الصحون مصنوعة من الزمرد أو اليورانيوم!! (على ذكر هذه المادة المشعة القاتلة: ما هذه الضجة حول عثور أطباء أوروبيين على أدلة بأن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مات مسموما بمادة البولونيوم؟ هل المراد إثبات أن إسرائيل قتلته؟ سو وات؟ هب أن الإثبات حصل، ثم ماذا بعد؟ هل ستقدمونها إلى محكمة في رام الله أو حتى لاهاي؟ طيب يا ما قتلت إسرائيل عشرات الآلاف ع المكشوف ولم يقل لها أحد «تلت التلاتة كم») أعود إلى حكايتي وأطرح السؤال الذي يحيرني وهو: من الذي سحب صحنين من الطقم الذي تقرر تقديمه إلى محمد المالكي، فالصحون والأكواب تباع وتشترى عادة بالدستة التي هي الدرزن، والناس عادة يشترون ستة من تلك الأشياء أو 12 أو مضاعفات العدد 6! لا أتهم شخصا ما باختلاس صحنين من الصحون الستة التي كان ينبغي تقديمها إلى الشاطر محمد، ولكنني أقول إن من اشترى الهدية لم يكن فقط غير موفق في اختيار النوعية بل أيضا في اختيار العدد! المحزن المبكي في حكاية ولدنا محمد هذا هو أنه انتقل من حفل إدارة التعليم إلى حفل أقامته مدرسته الخاصة لتكريمه هو وبقية المتفوقين حيث قدموا له أيضا صندوقا فاخر التغليف، ولكنه كان مثل الصندوق السابق من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله.. كانت الجائزة التي قدمتها المدرسة إلى الولد الذي رفع رأسها عاليا على مستوى المنطقة طقم فناجين قهوة.. وأنا لا أعرف محمدا هذا ولكنني أعرف أنه لا يتعاطى الطبخ وإعداد أو شرب القهوة! وربما كان ثمن الصحون وفناجين القهوة كبيرا، ولكن «قيمة» الأشياء ليست بثمنها بل بدلالاتها وموقعها في قلوب من يحوزونها،.. وبالتأكيد فإن محمدا كان سيكون أكثر سعادة لو كانت جائزته كتبا أو أقراصا مدمجة أو لعبة إلكترونية أو حتى كوبونات سندويتشات مجانية!.. وفي السبعينيات ظهرت هوجة العمل الخيري في الغرب وتشكلت جمعيات لتقديم مواد الإغاثة إلى ضحايا الكوارث الطبيعية في دول العالم الثالث، وفوجئ ضحايا الفيضانات في بنجلاديش بأن تلك الجمعيات تقدم لهم حشوات ناعمة الملمس صغيرة الحجم، ولكنها لا تصلح مخدات، ولم يعرفوا لها فائدة معينة فاستخدموها لتنشيف أواني الطبخ.. كانت تلك الحشوات حفاظات أطفال «بامبرز»، وفي بلدان إفريقية فوجئ ضحايا الحروب الأهلية الذين لجأوا إلى الغابات بأن بعض الخواجات قدموا إليهم بودرة حلوة الطعم لها بعض مذاق الحليب فسفوها سفا ولكنهم لاحظوا أنها لا تغني من جوع… كانت بودرة آيسكريم… وأعود إلى ولدنا محمد المالكي وأقول له كفاك جائزة أنك فالح وناجح وأنك موهوب.. أعط الصحون والفناجين لماما، بشرط ألا تستخدمها للأكل أو الشرب أي تحتفظ بها فقط كذكرى، فعلى كل حال فإن قيمة أي هدية تكمن في «الرمز».. وليكن عزاؤك أن عمك جعفر شبع إحباطا لأنه في الحفلات التي أقيمت لتوديعه أو على شرفه شبع من الساعات… عندي يا محمد نحو عشرين ساعة معصم انتهى العمر الافتراضي لنحو 15 منها دون أن استخدمها.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]