(مجموعة أمريكية جاءت لتعليم شباب السودان الرقص)..!
إدانات وقاذفات لاهبة من على منابر المساجد على رؤوس المنظمين!
استدعاءات برلمانية لوزير الثقافة والإعلام، واتهامات له بخيانة الأمانة، وتهديد للجميع بغضب السماء!
السؤال الذي لم أجد له إجابة إلى لحظة كتابتي لهذا الموضوع: هل الاعتراض على الرقص أم على الأمريكان أم على قيام الأمريكان بتعليمه للشباب السوداني؟!
إذا كان الاعتراض على الرقص من حيث هو في التعريف القاموسي: (تأْديةُ حركاتٍ بجزءٍ أو أكثر من أجزاءِ الجسم على إِيقاعٍ ما؛ للتَّعْبير عن شعور أو معانٍ معينة)؛ فمن الأوْلى أن يكون الحكم عاماً لا انتقائياً يخص جهة ويستثني أخرى.
بمعنى أن يساهم الشيخان كمال رزق ودفع الله حسب الرسول، في استصدار تشريع يمنع الرقص بكل أشكاله الحديثة والتقليدية، (ويا دار ما دخلك شر).
لكن ترى، هل يفرّق فقه الشيخيْن بين رقصات الجراري والمردوم والكمبلا والصقرية والفردة والبطان؛ والرقصات الغربية مثل التانقو الأرجنتيني والفاس لوسوفا الألماني والرومبا اللاتنية؟!
إذا كان للشيخيْن موقف فقهي محرم للرقص، كان يجب عليهما التعبير عنه دون الحاجة إلى انتظار زيارة الفرق الأمريكية أوالنجيرية.
وكان الأولى أن نستمع لهما قبل ذلك، وهما يحرمان كل الرقصات الشعبية السودانية في الفضائيات والمناسبات، ومنها بعض الاحتفالات البرلمانية أو الرسمية التي تتم تحت رعاية الجهات العليا في الدولة ومشاركتها.
وإذا كان الرفض من منطلق سياسي، وبمنطق دبلوماسي – باعتبار الفرق الفنية قادمة من أمريكا – كان على الشيخيْن توسيع دائرة الرفض لكل ما هو أمريكي، وألا يقتصر الأمر على الرقص فقط.
أما إذا كان مصدر رفض المهرجان لدواعٍ وطنية (أولادنا ما يعلموهم الرقيص الأمريكان)، فهذه قضية أخرى يسمع فيها ويرد عليها في منابر أخرى غير المساجد.
تزعجني هذه الانتقائية البغيضة في إصدار الأحكام الدينية، بحيث يخضع الحكم لا لأصل الفعل، ولكن لمصدره وفاعله!
وإذا كان سيدنا علي كرم الله وجهه قال: (لا يعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله)، كذلك وبمفهوم المخالفة؛ فإن الباطل لا يعرف بالرجال أو الجنسيات والدول، ولكن يعرف بذاته ولذاته.
للأسف هذه الانتقائية لا يعبر عنها الشيخان (رزق وحسب الرسول)، ولكن تتعداهما إلى شرطة النظام العام.. ما معنى أن تحاسب لبنى أحمد حسين أو غيرها على لبس البنطال في وقت تجد فيه الكثيرات في الشارع العام، وفي المناسبات، وفي حفلات التخريج الجامعية، وفي حفلات الزفاف، يرتدين ملابس سافرة جداً، وتجد تلك المناسبات تصديقاً لها من الشرطة ومحروسة بجنودها؟!
هلاك الأمم والمجتمعات يتحقق بممارسة الانتقائية الانتهازية الفقهية أو القانونية في المحاباة، كما في حديث السيدة عائشة عن مخزومية قريش وشفاعة أسامة بن زيد أو في المكارهة والشنآن كما حدث مع مهرجان أسامة داؤود وأحمد بلال وآخرين!
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني