بين إغماضة وانفتاح حدقة العين يستطيع الذي يحيا بين ظهراني الخرطوم أن ينتج أفلاماً بديلة رائعة، أفلاماً تمضي إلى أفق ربما سيكون أكثر اتساعاً وإدهاشاً من ذاك الذي ابتدره الفرانكو جزائري (سالف الذكر) مالك بن إسماعيل، بـ(الأرض و ديمقراطيا)، قبل أن يجعل القلوب تخفق بين الصدور والعيون لا تغادر الأحداث لا تغفو ولا ترمش بفيلمه الراهن (الصين لا تزال بعيدة) الذي حاز الخميس المنصرم (بباريس) على نجمة المجتمع المدني الفرنسي للمؤلفين متعددي الوسائط (سكام 2013م)، الجائزة التي تمنح منذ 2005 لأحسن شريط وثائقي.
والصين لا تزال بعيدة، الذي أنتجه مالك بن إسماعيل في العام 2008م، حاز إلى اللحظة على العديد من الجوائز، حتى توج أخيراً الأول على (29 فليماً) منافساً، وتدور أحداث هذا الشريط الوثائقي (130 دقيقة)، في مدرسة ابتدائية تقع في قرية (غسيرة) الصغيرة الواقعة شرقي الجزائر بمنطقة (أريس والغوفي). وقد تابع بن إسماعيل وفريقه لمدة سنة كاملة بين 2006 و2007 يوميات تلاميذ المدرسة وجهود المدرسين في محاولة لتوصيف وتفصيل الظروف الصعبة التي يدرس فيها التلاميذ الذين يتسرب جلهم من المدارس في منطقة محرومة رغم ثرائها التاريخي والسياحي. واستوحى بن إسماعيل ديباجته (الصين لا تزال بعيدة) من الحديث النبوي الشريف (اطلبوا العلم ولو بالصين)، في إشارة ذكية منه إلى أن (العلم لا زال بعيداً) عن مناطق (أريس والغوفي)، و(غسيرة) على وجه التحديد.
تشاهدون اليوم (المامبو السوداني)
مقطع من تصريح رسمي: تنفتح العين الخرطومية على مسؤول كبير جداً ومؤثر، وهو يصرخ لقد اختار الجنوبيون مصيرهم، هذا حقهم، على أي حال إذا كان للانفصال أثر على اقتصادنا فإنه سيكون إيجابياً وليس سلبياً.
وقبل أن يعود لسان المسؤول مستوياً على فمه، يدنو الجنيه السوداني نحو القبر، ترتفع الأسعار، يرتفع التضخم، يزداد التخبط، يُرفع الدعم، تُرحَّل مواقف المواصلات، المواطن والسيارات جنباً إلى جنب يسيرون وسط الشارع، الأزمة تتفاقم، يُرفع الدعم مرة أخرى.
تظلم الشاشة مع إيقاع أغنية سيد خليفة الشهيرة (المامبو السوداني)، وينتهي الفيلم في دقتين وثلاثين ثانية وخمسة عشر جزءاً من الثانية، ولأن الصين ليست بعيدة فقد حصد هذا الفيلم العديد من الجوائز العالمية.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي