فتحت الشابة الأنيقة كتاباً.. بدأت مثل سيدة مثقفة.. أرادت أن ترسل هذه الصورة إلى الرجل الذي شغل عقلها.. انتبهت أنها تقلب صفحات حياتها.. كل الناس ترى في مهنتها العيب.. المجتمع يراها جانية.. مهنة (مومس) لا يمكن الدفاع عنها.. ولكن بمرور السنين طبعت ماجدة علاقتها بالعيب.. أحيانا تدافع عن عملها.. تقنع نفسها أن الدعارة مهنة مثل غيرها من المهن.. وحيناً ترى نفسها ضحية مجتمع طبقي لا يحترم إلا الغني.. لا شيء غير جمالها يمكن أن يمنحها هذه القوة.. لهذا تخشى من المستقبل عندما تذر رياح العمر هذه الطلة الجذابة.
هرول الناس إلى بوابة العبور نحو الطائرة المصرية.. ماجدة وفتاها لم يتعجلا.. في هذه اللحظة رمق دكتور صلاح الشابة التي جعلت شعرها ينساب كيفما يشاء.. أدركت ماجدة أن ضيفها وقع في الفخ.. عاجلته بابتسامة تحمل كل صنوف الإغراء.. حاول الطبيب النفسي أن يبدو خفيف الظل، وقال” لا أعتقد أن الطائرة ستطير دوننا”.. ابتسامة أخرى من الجميلة.. كانت دائما تخشى من أن تخذلها لغتها مع قبيلة المثقفين.
بعد قليل مضى كلاهما إلى الطائرة.. كل منهما كان يتمنى أن يجاوره الآخر.. صلاح رأى فيها فتاة الحلم التي لم يجدها في كل إجازته بالخرطوم.. كان يبحث عن زوجة بمواصفات خاصة.. سودانية جميلة ومتحررة.. ها هو يجدها في اللحظات الأخيرة قبل عودته إلى مقر إقامته في تلك المدينة الإنجليزية الباردة.
ماجدة رغم أنها داعر- بشهادة- إلا أنها كانت تترفع في خياراتها.. صنعت شبكة من زميلات المهنة.. ولكل مقام مقام.. تركت الخرطوم، وباتت تمارس (البزنس) من القاهرة.. في هذه المدينة الضاجة سعة وبراح وحرية.. لا تدري لماذا تمنت أن يكون صيد الليلة من نصيبها.
جلسا متقاربين.. ران صمت طويل.. سألها إن كانت هذه زيارتها الأولى إلى القاهرة.. ابتسمت- ساخرة- وأكدت له أنها تزور القاهرة شهرياً.. عندما رأت تعجب الجار أكدت له أنها سيدة أعمال.. قدم لها نفسه، إنه طبيب تخصص في الطب النفسي في جامعة لندن، ثم تزوج أسكتلندية ماتت قبل عامين في حادث حركة، وتركت له طفل دون العاشرة.
عندما هبطت الطائرة مصر صحبت فتاها.. لم تنتظر دعوة وأكدت له أن شقتها ترحب به ضيفاً عزيزاً.. في عربة التاكسي بدأ هاتفها يرن ويرن.. حيناً تتكلم، وحيناً تتجاهل النداء.. في مدخل العمارة طلبت منه خمسمائة جنيه مصري.. أشعلت سيجارة، ثم دخلت الحمام حتى تتهيأ لليلة حمراء.. شعر الضيف بانقباض ورغبة في التقيؤ.. مضى إلى (البلكونة) الصغيرة، ولكن رائحة الدعارة كانت تطارده.. عاد إلى الصالة، وحمل حقيبته الأنيقة وولى هارباً، من امرأة أرادها زوجة، وأرادته صحبة راكب.
عبد الباقي الظافر– التيار السودانية