وإذا نظرنا إلى تخوف «مصر» فهو لا يعدو أن يكون من أن تنقص حصتها من مياه النيل مستقبلاً، باعتبار أن السد يجعلها تحت رحمة الاثيوبيين. وبهذه الدعاية تكون هذه الحكومة الانقلابية العسكرية في مصر قد أضافت إلى إفرازات الانقلاب السالبة «عقدة نفسية» للشعب المصري أو أغلبه من العلاقات المصرية الإثيوبية، مما يزرع العداوة الدائمة بين شعبي البلدين بدون سبب موضوعي حقيقي يدعو الى ذلك. فمصر تريد أن يطيعها السودان ــ وكأنه حديقة خلفية لها ــ في ما تراه سبباً محتملاً، ولا يوجد لديها الاستعداد لموافقة السودان على ما يراه مصلحة سودانية مؤكدة.. مصر تتحدث عن الناحية الفنية لتصميم السد واحتمال تأثير ذلك سلباً على السودان ومصر وتقول إن الأمر قيد دراستها، والسودان يقول إن سد النهضة مفيد جداً للسودان حيث أنه يمده بالتيار الكهربائي لسد الفجوة الكهربائية على الأقل في المناطق المتاخمة للحدود الإثيوبية حول النيل الأزرق، وكذلك ينظم المياه المتدفقة من النهر.
وطبعاً تنظيم المياه أهم من المد الكهربائي لأنه يوفر ما يقارب أو يزيد على عشرين مليون دولار تنفقها الدولة لمعالجة انسياب المياه في المشروعات الكبرى حينما تأتي محملة بالطمي. وهذه هي المصلحة السودانية التي سيجنيها السودان من السد، إضافة إلى ذلك تقليل مخاطر الفيضان بل إزالتها، ومعروف أن الفيضان في مناطق كثيرة يؤدي الى حدوث أوضاع إنسانية مزرية.
وزيارة وزير الري المصري مع الوزير السوداني برفقة الوزير الاثيوبي الى موقع سد النهضة أخيراً كانت من جانبه مختلفة الجوهر، فقد كانت زيارة استعلائية، فهو يقول إن زيارته إلى السد لا تعني الموافقة على بنائه، وهذا حديث لا غضاضة فيه غير التناقض بين القول والفعل، فهو إذا لم يوافق على بنائه قبل أن يتأكد من عدم مخاطره، فلا داعي إذن لاستعجال قبول الزيارة، لكن يبدو أن التصريح فيه بعد سياسي ورسالة إلى الشعب المصري مفادها أن الحكومة حريصة على المصلحة المصرية جداً، ولن تسمح بالتأثير عليها، مع أن الحكومة المصرية كما هو معروف لن تستطيع تقديم معلومة واحدة عن ضرر مصر من هذا السد.
فالأمر كله توجس وفوبيا.. إنه »العطشفوبيا« أو «الخوف من العطش» ولا أدري إذا لم تتدفق المياه من الهضبة الإثيوبية باتجاه السودان أو إذا لم يتحول مجرى النهر من الاتجاه الشمالي الغربي باتجاه ليبيا الى الاتجاه الشمالي باتجاه مصر ماذا كانت ستفعل مصر. والوزير المصري يقول ان الزيارة فنية وهندسية وليست سياسية، وتسلم الوزير المصري رسومات تصميم السد لاطلاع الخبراء المصريين عليها. لكن السؤال هنا: ألم يقل الخبراء أو بعض الخبراء المصريين كلمتهم الفنية الهندسية منذ بدء تشييد السد؟! هل يقصد الوزير المصري مراجعة ما قاله الخبراء المصريون قبل عام وأكثر حول السد، مثل أنه سيضر السودان ويعطش مصر ويهدم الكعبة المشرفة في مكة؟! هكذا قال خبراء مصر. لذلك الذي يحتاج لمراجعة الآن ليس تصميم السد وانما خبراء مصر الذين قالوا كلمتهم. ونتائج الدراسة الحقيقية التي يقصدها الوزير ستكون تصحيحاً لما قاله خبراء مصر أول الأمر.
إن الخبراء الرسميين سيصححون الخبراء «الإعلاميين» الذين ملأوا الدنيا عبر القنوات الفضائية بتصريحات تشير إلى مخاطر السد حتى على الكعبة المشرفة في مكة. والزيارة الى السد من جانب الوزير السوداني تبقى اقتصادية لصالح السودان.. ومن جانب الوزير الإثيوبي المضيف تبقى دبلوماسية.. لكن من جانب مصر فهي استعلائية.
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]