الركابي حسن يعقوب : حلايب.. الحق ما «يزعلش»

[JUSTIFY]قضية حلايب ينبغي ألا تخمد نارها أبداً، وعلى السودان أن يعمل على أن تظل هذه القضية في مقدمة أولويات سياسته الخارجية تجاه مصر، وأن تتصدر أي مباحثات بين الجانبين سواء أكانت على مستوى القمة أو على أي مستوى أدنى آخر، وأن تكون بنداً ثابتاً وأساسياً على جدول أعمال العلاقات الثنائية بين البلدين.

والخيارات التي أمام السودان لاسترداد حلايب من قبضة النظام المصري هي أربعة خيارات لا خامس لها، على السودان أن يختار واحداً منها: الخيار الأول هو استرداد حلايب بالقوة العسكرية المحضة، وهذا الخيار رغم أنه حق ثابت من حقوق السودان التي يقرها له القانون الدولي، ورغم أن المؤسسة العسكرية في مقدورها تنفيذ هذا الخيار بنجاح واقتدار إذا ما قرر صناع القرار الأخذ به ، إلا أنه يعتبر خياراً مستبعداً في الأجل القصير، وهو كذلك خيار عالي التكلفة من الناحية الإستراتيجية، فالروابط التاريخية والمصالح المشتركة التي تربط السودان بالجارة مصر روابط عديدة وعميقة وقديمة لا يمكن في ظلها الحديث عن حرب بين البلدين. والخيار الثاني، هو جعل حلايب منطقة تكامل بين مصر والسودان، وهذا الخيار رغم أنه يمثل عامل تهدئة ومخرج لرفع الحرج الدبلوماسي لدى الطرفين، إلا أنه يهدر حق السودان الأصيل في تبعية حلايب له، وبالتالي يفقده حق السيادة عليها، فهو يقترح أن تتحول المنطقة إلى منطقة تكامل بين البلدين ولكن بشرط أن تعترف مصر بسودانية حلايب، ومن ثم تدار المنطقة بإدارة مشتركة بين البلدين ويتم سحب جيشي البلدين منها وإبدالهما بقوات من الشرطة المشتركة مصرية وسودانية، وواضح أن منطق هذا الخيار مختل، ويستحيل تطبيقه على أرض الواقع ولن تقبل به مصر، وحتى إذا قبلت به، فإن السودان يكون قد بصم على ضياع جزء أصيل من أراضيه وأهدر سيادته طوعاً لا كرهاً، واعوجاج منطق هذا الخيار يتجسد في أنه يفرغ اعتراف مصر بسودانية حلايب من محتواه ومعناه، ذلك أن ذات الخيار يقوم «بنسخ» هذا الاعتراف وجعله كأن لم يكن، وذلك بإعطائه الحق لمصر في مشاركة السودان في إدارة جزء من ترابه وأرضه، ويرغم السودان على سحب جيشه من أرضه وهو أمر غريب ولا يستقيم أبداً مع مفهوم السيادة ووحدة التراب الذي لا تتنازل عنه الدول مهما بلغ مستوى حُسن علاقاتها وحيوية مصالحها مع دول أخرى لأن الحق لا يتجزأ.

أما الخيار الثالث، فهو الاستفتاء، وهو خيار تكتنفه محاذير عديدة فضلاً عن كونه هو الآخر يجعل السودان يجرد جزءاً من مواطنيه من انتمائهم للدولة حين يضع أمامهم خياراً آخر«قد يترجح» للانتماء إلى دولة أخرى، فلا يكون أمامهم غير البقاء في المنطقة بانتماء جديد وهوية جديدة ليس بالضرورة أنها ستلبي طموحهم وتوجهاتهم المختلفة أو مغادرة موطنهم الأصلي إلى أماكن أخرى داخل السودان، كما أن بُعد يد السودان عن المنطقة طيلة تلك الفترة منذ احتلالها لن يوفر ضمانات لتصويت أهل المنطقة أو أغلبهم لصالح السودان، خاصة وأن نظام حسني مبارك كان قد أعد للأمر عدته، فوزع لسكان المنطقة أوراقاً ثبوتية مصرية.

وواضح أن النظام الحالي سار على ذات النهج، وقد رأيت شخصياً إحدى هذه الأوراق في تسعينيات القرن الماضي في القاهرة مع أحد أبناء حلايب وهو سوداني مائة بالمائة. وحكي لي كثيراً عما فعلته الحكومة المصرية ممثلة في المخابرات المصرية التي تدير الأمور في حلايب، حيث تقوم بعمليات منظمة لتغيير نمط الحياة هناك ليتوافق قدر الإمكان مع نمط الحياة في مصر وطمس هوية أهالي المنطقة وإلحاقهم قسراً بمصر.

وقال لي إن الحكومة المصرية تتبع سياسة الترغيب في ذلك ولكنها أيضاً تُعمل سياسة الترهيب مع أولئك الذين لا يتعاونون معها في هذا البرنامج.

الخيار الرابع والأخير، هو الخيار الأكثر واقعية في تقديري، وهو خيار التحكيم الدولي الذي سيعيد للسودان حقه إذا ما جدّ في طلبه وأعد له عدته من مستندات ووثائق ودفوعات وحجج قانونية، ولا يتعارض ذلك أبداً مع «أزلية» العلاقات مع «الشقيقة» مصر ولا يقدح في متانتها أبداً طالما الأمر أمر حقوق، وكما يقول المصريون «الحق ما يزعلش»، والحقيقة الواضحة كالشمس هي أن العلاقات السودانية المصرية لم تكن في السابق مبنية على أسس صحيحة تستند إلى حقائق الجغرافيا والسكان والموارد، وإنما كانت مبنية على أوهام.. أوهام القوة لدى الأنظمة المصرية المتعاقبة ونظرتها الاستعلائية تجاه السودان. إن حلايب سودانية، وبالتالي فإن على السودان أن يسعى إلى استردادها من مصر عبر التحكيم. وكفى صمتاً على ضياع هذا الحق الأصيل، ولا يتعارض الحرص على استرداد هذا الحق مع مبادئ حسن الجوار والعلاقات المتينة والأزلية بين البلدين.

ومصر السيسي ينبغي عليها ألا تستمر في نهج نظام حسني مبارك الذي استولى على حلايب بليل في توقيت دقيق في تسعينيات القرن الماضي كان السودان فيه يواجه تحديات أمنية شائكة ومعقدة ويقاتل جيشه آنذاك في جبهات عديدة و يواجه عداءً سافراً من كل جيرانه تقريباً.

نظام السيسي ينبغي أن يحفظ للسودان «الجميل»، فالخرطوم قد تعاملت معه بـ «براجماتية» واضحة قياساً بتوجهاتها الآيدولوجية ولا تزال تسير على ذات النهج. فيجب على مصر السيسي أن «تشيل» السودان لـ «عوزة» وليس هناك «عوزة» لمصر أكبر من معضلتها الكبرى القادمة وهو سد النهضة الإثيوبي، ومعلوم بالضرورة مدى حجم وثقل الدور السوداني في حل هذه المعضلة بسبب علاقاته المتميزة مع إثيوبيا، ولا يمكن للخرطوم ممارسة دورها كاملاً لصالح القاهرة والأخيرة تضع تحت إبطها جزءاً من أراضيها وترفض أن تعيده لها.

صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version