تعرف حالة سؤ التغذية بأنها عدم التوازن بين إستهلاك الغذاء اليومي وبين المتطلبات الغذائية من البروتينات والمركبات الغذائية الأخري المتناولة يوميا، مما يؤثر سلبيا علي عمليات الأيض أو الإستقلاب، ومما يتسبب في حدوث خلل وظيفي، إضافة إلي إنخفاض مؤشر كتلة الجسم (ال:BMI)، والتاثير السلبي علي قدرة الجسم علي مكافحة الامراض.
سؤ التغذية عند المسنين:
تلعب التغذية وسبل تنظيمها في سن الشيخوخة دورا هاما في الحياة. هذا لأن مرجع معظم الأمراض في هذه السن، يكون ذو صلة وطيدة بالجانب التغذوي للشخص المصاب. ويعرف هذا المجال المرتبط بالتغذية والأمراض الناتجة في التغذية الطبية “بسؤ التغذية”. وسؤ التغذية يحتوي علي فرعين أساسيين هما: حالات التغذية التي يترتب عليها نقصان الوزن “ضعف”، أو حالات التغذية التي يترتب عليها زيادة الوزن “سمنة”. وفي كلا الحالتين ينتج تأثير سلبي علي الوظائف الفسيولوجية لأعضاء الجسم المختلفة. وبه يأتي التأثير السلبي علي آداء الجسم كوحدة متكاملة، مما يدعوا إلي ضرورة النظر في نمط الغذاء اليومي للمسنين في هذه الحالة بطريقة علمية متقدمة.
وبناءا علي ذلك تعتبر تغذية كبار السن مهمة جدا، ذلك لأن معظم الأمراض التي تصيب المسنين تكون مرتبطة إرتباطا وثيقا بسوء التغذية، سواء كانت التغذية تؤدي إلى سمنة مفرطة أو نقصان حاد فـــــي الــوزن، وكون تقدم العمر يؤدي إلي تغير في وظائف الأعضاء، والأداء الجسدي، مما يؤكد أهمية دور العناية بالتغذية الجيدة عند المسنين عموما.
العوامل المؤدية لسؤ التغذية عند المسنين:
هناك عدة عوامل تؤدي إلي سؤ التغذية في سن الشيخوخة. وعلاج هذه العوامل المؤثرة سلبيا علي الصحة يأتي بالعلاج الجزري لمسبباتها. وهذا يعني بأن الحلول الجزئية لهذه المؤثرات تأتي فقط بنتائج جزئية (غير مكتملة). وعلي أسوأ الفروض يمكن الإكتفاء بالحل الجزئي في الحالة، إذا لم نتمكن من الوصول لحلول متكاملة في تغذية المسنين. وتنقسم العوامل الفسيولوجية (العضوية)، التي تلعب دورا سلبيا في نظام التغذية عند المسنين إلي الآتي:
1. الضعف الوظيفي للأعضاء:
مع تقدم العمر يقل المعدل الوظيف لأعضاء الجسم المختلفة. وبه تقل إفرازات الجهاز الهضمي مثل الحامض المعدي والإنزيمات الهضمية. وبناء علي ذلك يتعامل جهاز الهضم مع الغذاء بطريقة أخري، تختلف عنه في تعامله مع نفس الغذاء في سنين الطفولة والشباب، حيث يقل تحمل الجسم لبعض المواد الغذائية، مثل الأغذية المسكرة أو الأغذية المالحة. وتبعا لذلك ينخفض أيضا معدل التمثيل الأساسي للطاقة المنتجة والطاقة المخزنة في الجسم.
2. ضعف التمثيل الأساسي للطاقة:
بتقدم العمر تقل الحركة البدنية عند أغلبية المسنين. وهذا يعني أن الطاقة الناتجة عن التمثيل الأساسي في الغالب لا تستخدم (لا تحرق)، وإنما تخزن كفائض طاقة في الجسم. في هذه الحالة تكون النتيجة هي زيادة نسبة الأنسجة الدهنية، ونقصان الأنسجة العضلية في الجسم، وبالتالي قلة نسبة الماء المخزون في العضلات وأغشية الجسم المختلفة.
3. تأثير الأمراض المزمنة:
من نتائج التقدم في السن، ظهور بعض الأمراض المزمنة، والتي تتفشي خصوصا في سن ما بعد الخامسة والخمسين. وتعزي هذه الأمراض لأسباب كثيرة، علي سبيل المثال تلعب بعض الجوانب دورا هاما مثل: الجوانب الوراثية، والجوانب البيئية، والجوانب النفسية، والجوانب ذات الصلة بروتين الحياة اليومي كالحركة البدنية ونمط الغذاء اليومي. وتكون النتيجة علي سبيل المثال، الإصابة بأمراض ضغط الدم المرتفع، وأمراض القلب والشرايين, وأمراض الغدد الصماء كداء السكري.
4. تأثر حواس الجسم:
بتقدم العمر تضعف كثير من الحواس، ذات الصلة المباشرة بالجهاز العصبي. وعليه تقل قوة حاستي السمع والبصر، وأيضا حاستي التذوق والشم. هذا خصوصا عند المسنين من بعد سن السبعين. والضعف في الجهاز العصبي بجانب ضعف جهاز الحركة يحدان من قابلية المسنين في الشعور بالراحة التامة عند تناول الغذاء. وفي معظم الحالات يسود شيء من العزوف أو الخجل في تناول الوجبات الأساسية. والأسباب تكون في العادة هي عدم تعرف المسن علي وجبته الغذائية، بسبب ضعف أو فقدان احد هذه الحواس المهمة، مما يؤدي بدوره إلي النقصان في أساسيات المواد المغذية عند المسنين.
5. تأثر الفم والأسنان:
يفقد كثير من الناس في سن الشيخوخة أسنانهم، الشيء الذي يؤثر علي عملية تناول الغذاء اليومي. وبسقوط الأسنان يفشل كثير من المسنين في تناول الغذاء. وإذا تمكن المسن من تناول الغذاء اليومي، يفشل في تغطية الكمية التي يحتاجها في كل يوم، مما يعني نقصان المواد الضرورية للجسم، والتي تتناسب طرديا مع كمية الغذاء المتناولة يوميا. وكثير من المسنين الذين فقدوا أسنانهم، يكونوا مرغمين علي بلع الطعام، هذا من دون مضغه. وعليه تترتب سلبيات أخري، مثل الإستحياء من تناول الطعام، أو تأجيل الوجبات، أو تعثر العملية الهضمية، التي تكون نتائجها في الغالب حرقان المعدة، أو إنتفاخ البطن، أو الإمساك المزمن عند المسنين.
6. التأثر النفساني:
هناك عدة عوامل نفسية تحد من تناول الغذاء بالطريقة المطلوبة. وعلي سبيل المثال: الخرف الذي يحد من إمكانية التعرف علي الغذاء ونوعيتة ومكوناته ووقته وفائدته للجسم. في الغرب تنصح مؤسسات التغذية بسد العجز التغذوي للمسنين عن طريق مكملات الغذاء، تحت إشراف الطبيب ومستشار التغذية لتكملة النقص الناتج. وهناك كثير من المسنين، الذين يقومون بتقييم حياتهم بالخطأ، والذين لا يرون اللزوم في تناولهم للطعام. والكثير منهم يكتفي بقسط قليل من الغذاء، معللا بأن الغذاء فقط للمنتجين من الناس، مما يؤثر كمفهوم خاطئ علي الصحة الجسمانية للشخص المسن.
أعراض سؤ التغذية:
تنتج عن سؤ التغذية بسبب النقص في المواد المهمة، التي يحتاجها الجسم لآداء وظائفه بعض الأعراض، والتي تكون مؤشرا مفيدا للمصاب وذويه. وهذا حتي يتثني للمريض التعرف علي حالته الغذائية والصحية، ومن ثم زيارة الطبيب، الذي يقوم بإرشاد المريض علي كيفية العلاج. ومن أهم أعراض ومؤشرات سؤ التغذية عند المسنسن هي:
ضعف مناعة الجسم، فقدان الشهية، نقصان الوزن، الأرق والسهر، العصبية، الإعياء البدني، الإرتباك، الإكتئاب، الصداع، غشاوة العينين، ضعف البصر، السقوط المفاجيء، جفاف الجسم، تساقط الشعر، تقصف الأظافر، آلام المفاصل والعضلات والعظام، تورم اللثة، حرقان المعدة، عدم إنتظام عمل الجهاز الهضمي (تراكم الغازات، الإسهال، الإمساك)، إحتقان الأورام المائية في الجسم، البدانة في حالات عدم الإستفادة من كميات الغذاء المتناولة يوميا، والتي تكون غنية بالطاقة.
الأمراض الناتجة عن سؤ التغذية:
قد يؤدي سؤ التغذية عند المسنين إلي ظهور بعض الأمراض، والتي لم تكن في الحسبان من قبل. هذه الأمراض تكون للمريض وذويه في الغالب مفاجئة ومبهمة تماما، ولكن السبب الأساسي في حدوثها هي الفروقات التغذوية المزمنة الناتجة بسبب نقصان أساسيات الغذاء من فيتامينات، وأملاح ومعادن، والتي ليس للجسم بد منها. من الأمراض الناتجة عن سؤ التغذية عموما، وخصوصا عند المسنين: قابلية الجسم للإصابة بالعدوي (بكتيرية، فيروسية، فطرية، طفيلية)، الأمراض الناتجة عن نقصات البروتينات، داء السكري من النوع الثاني، مرض الكساح، إضطرابات القناة الهضمية، هشاشة العظام، فقر الدم وأنيميا نقص الحديد، والبدانة المفرطة.
طرق علاج ووقاية المسنين من سؤ التغذية:
هناك عدة طرق لعلاج ووقاية المسنين من حالات سؤ التغذية:
في حالة ظهور أعراض مؤشرة علي إستفحال سؤ التغذية، يتوجب فورا مراجعة الطبيب المختص. والذي يقوم بدوره بالفحص والتشخيص والعلاج. وفي بعض الأحيان يحتاج العلاج الطبي إلي تزويد الشخص المصاب بما يحتاج إليه من أشياء مساعدة، حيث يحول الشخص المصاب لأخصائيين آخرين. هذا لتزويد الشخص المصاب بنظارة أو جهاز سمع أو طقم أسنان. وفي كل هذه الحالات، لا يضمن التأكد من تناول المسن للكمية الكافية من طعامه اليومي رغم تزويده بهذه الأشياء المساعدة، حيث تتوجب المتابعة الدقيقة من جانب ذوي المسن. ولا يختصر دور الطبيب علي الفحص والتشخيص فقط، بل إرشاد المريض أيضا إلي الأغذية التي يحتاجها الجسم يوميا ومحتوياتها وكميتها.
ومن الإرشادات التغذوية التي ينصح بها في سن الشيخوخة، حسب العمر، الحالة الصحية، والنشاط البدني، وتحمل الجسم للمواد الغذائية المتناولة هو الآتي:
1. الأغذية الغنية بالطاقة:
نسبة لتقدم السن، يقل معدل الطاقة التي يحتاجها الشخص في سن الشيخوخة. والسبب هو قلة النشاط الحركي، و قلة أنسجة الجسم العضلية، مما يؤدي بدوره إلي تقليل معدل الطاقة المستهلكة للتمثيل الأساسي. وبناء عليه ينصح بتخفيض نسبة المواد الغنية بالطاقة يوميا للمسنين. مثال للأغذية الغنية بالطاقة: السكر والعسل.
2. البروتينات:
يجب على المسنين التركيز على تناول كمية مناسبة من البروتينات، والتي تقدر بناء علي المحتويات الغذائية الموصى بها لكل شخص، وحسب الفئة العمرية. وللشخص الذي عمره فوق ال: 50 سنة، هي تقريباً 60غرام للرجل و50غرام للمرأة. ومع هذه الكمية يجب مراعاة الزيادة في البروتينات ذات الكفاءة العالية و الكفاءة المنخفضة. مثال للأغذية المحتوية علي البروتينات: اللحوم والبيض.
3. الدهون:
ينصح بتقليل كمية الدهون في الغذاء اليومي، بحيث ألا تزيد نسبتها عن 30% من السعرات الحرارية. كما يتوجب تجنب الدهون المشبعة، للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشراين. وينصح بتبديل الدهون الحيوانية، بالزيوت النباتية الغير مشبعة. زيادة علي ذلك يجب مراعاة نشاط الجهاز الهضمي عند المسنين، حيث يكون هضم وإمتصاص الدهون بطيئا عندهم. مثال للدهون الحيوانية: السمن، والربيت والزيوت النباتية: زيت الفول وزيت السمسم.
4. النشويات:
بالنسبة للمسنين يفضل التقليل من السكريات البسيطة التركيب مثل (السكر، العسل، المكرونة)، وزيادة استهلاك السكريات المعقدة التركيب مثل (دقيق الردة، الأرز، البطاطس). وهذا لتمثل كليا 45-65% من مجموع السعرات الحرارية المتناولة يوميا. مثال للنشويات: الخبز والذرة.
5. الفيتامينات والأملاح المعدنية:
ينصح للمسنين بتناول الكمية الكافية من الفيتامينات والأملاح المعدنية، في المقدمة فيتامينات: B12-B6-C-E-A، بالإضافة لتناول كل من عناصر الكالسيوم والحديد والزنك. وتغطية النقص في هذه المواد الهامة للجسم يعتمد في الأساس علي تنوع مصادر الغذاء، خصوصا الخضار والفاكهة، ويبني علي الحركة البدنية والنشاط الجسماني للشخص.
6. الماء والألياف الغذائية:
يجب أن يحرص المسنون على تناول الأطعمة الغنية بالألياف مثل الخضروات والفواكة وخبز الردة والحبوب الكاملة (البليلة)، مما يساعدهم علي تفادي إضطرابات المعدة ذات الصلة المباشرة بالغذاء اليومي. كما ينصح بضرورة شرب 8 أكواب كبيرة من الماء يوميا علي الأقل، بحيث يكون حجم الماء المتناول في اليوم علي الأقل 2 لترات، أو ما يعادله حسب الجو السائد في البلد.
وأخيرا تختلف إحتياجات الغذاء مع تقدم العمر من فرد لآخر. هذا حسب العوامل الوراثية، والنشاط البدني، وأوجه الإختلاف في نمط الغذاء اليومي في سني الطفولة والشباب. وقد تؤثر بعض العادات الغذائية والسلوك اليومي للشخص على ظهور بعض المشاكل الغذائية أو الأمراض المزمنة في سن الشيخوخة.
د. حسن حميدة – مستشار التغذية العلاجية – المانيا
Homepage: http://www.nutritional-consultation-dr.humeida.com
E-Mail: [email]hassan_humeida@yahoo.de[/email]
حقوق الطباعة والنشر محفوظة للكاتب – سبتمبر / 2014