السودان… ما بين أمبيكي وبدرين

[JUSTIFY]ما بين تقرير الوسيط الافريقي ثامبو امبيكي الذي قدمه الى مجلس الامن في نيويورك وتقرير الخبير المستقل لحقوق الانسان مسعود بدرين الذي سيقدمه بعد غدٍ الى مجلس حقوق الانسان في جنيف، تبدو صور السودان بين مشرقة وقاتمة، ومن خلال تلك الصور يتم تقرير مصير السودان للمرحلة القادمة، ومع تزامن تقديم التقريرين الا ان كل تقرير يختلف عن الآخر، وكل له تأثيره على السودان سلباً وايجاباً، فهناك آثار ايجابية حملها تقرير امبيكي تجاه السودان بحسب التوصية الداعمة له من قبل مجلس السلم والأمن الافريقي، بخلاف ما يحمله تقرير بدرين من آثار سالبة ربما يكون وقعها علي السودان اسوأ مما كان عليه سابقاً، وما بين ما يحمله التقريران يبرز سؤال مهم ايهما سيكون تأثيره اقوى على السودان؟
جهود مكللة بالنجاح الجهود التي ظل يبذلها امبيكي في الشأن السوداني منذ مارس الماضي والتي صحبتها جولات ماكوكية قام بها الرجل وشملت الخرطوم وأديس أبابا، حقق خلالها اختراقاً كبيراً بحصوله على توقيعات كل الفرقاء بأديس أبابا مطلع هذا الشهر، ثم توج كل ذلك بلقاء الرئيس البشير، الى جانب التوصية من قبل مجلس السلم والأمن الإفريقي التي كانت داعمة لحكومة السودان خاصة في ما يتعلق بمبادرة الحكومة للحوار الوطني، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة في سبيل انجاح الحوار.
والملاحظ ان امبيكي ظل يلعب دور الحكم في الملعب، ولا ننكر انه استطاع ان ينجح في اختراق كل الملعب واتى بنتائج ملموسة، وذلك من خلال التوصية لأول مرة بضرورة تحفيز السودان على جهوده هذه، وتحديداً بمده بمساعدات اقتصادية تتمثل في مراجعة الحظر وإطلاق تدفق الدعم النقدي الدولي، وإعادة النظر في ديون السودان والعمل على إعفائها إن لم يتم إلغاؤها بالكامل.
توحيد منابر التفاوض: خاطب الوسيط أمبيكي حكومة السودان بتوحيد منابر التفاوض الثلاثية «الدوحة، أديس أبابا، الخرطوم» في منبر واحد، بحيث يكون مقر التفاوض اديس ابابا، غير أن من المتوقع أن يحدث ذلك بلبلة في الأمر، اذ يرى البعض ان فكرة نقل مقر التفاوض من قطر الي اديس ابابا يفقد السودان عروبته وبالتالي يصبح افريقياً وهذا ما لم يقبله الكثيرون، اذ يعتمد نجاح التفاوض دائماً على التراضي على كل التفاصيل شاملة الزمان والمكان، وقضية المكان تمثل منطلقاً حاسماً لبناء الثقة، غير ان الكاتب الصحافي والمحلل السياسي سيف الدين البشير قال لـ «الإنتباهة»: رغم وزن وتوازن دولة قطر الا أن هناك عدم استلطاف من قبل التمرد والمعارضة للدور القطري، وبالنسبة لإثيوبيا فهي أولاً تملك المقبولية سياسياً من الطرفين، كما انها مقر الاتحاد الإفريقي الذي يمتلك من آليات والتجربة وارادة ما لا طاقة للجامعة العربية به. ومن هنا وطالما ان الهدف من التفاوض هو بلوغ اتفاقيات لمصلحة البلاد، إذن لا حرج أن يتوحد المنبر، وليست هناك غضاضة في نقلها الى اديس ابابا.. ويبقى هناك عامل حاسم لاستمرار المفاوضات يتمثل أولاً في تحمل تكاليف الوفود سفراً واقامة وخلافه، جنباً الى جنب مع ما كان يمكن ان تدعم به قطر انفاذ بعض المشروعات ذات التأثير على إنفاذ ما يمكن التوصل اليه. تكرار الفشل يبرز سؤال مهم حال قبلت الحكومة السودانية بنقل المفاوضات الى مقر الاتحاد الافريقي، هل يمكن للاتحاد الافريقي أن يتحمل على الاقل تبعات تتابع الجلسات ناهيك عن امكانية تمويل اية مشروعات ترتبط بالاتفاقيات؟ وهنا تكمن المعضلة الاساسية، اذ يعتقد سيف الدين ان الحل الأمثل يقتضي التفكير في صيغة ما تكون بموجبها الجامعة العربية وقطر جزءاً مهماً من الوساطة مع السيد ثامبو أمبيكي في حين تمثل اثيوبيا الدولة المستضيفة، مع الاخذ في الاعتبار التنبه لعدم تكرار خطأ نيفاشا عندما افلح الغرب في استبعاد الجانب العربي وقبل السودان بذلك، ليجد نفسه أعزل من الدعم العربي، ولا بد للجانب السوداني ان يضع شرطاً بوجود الجامعة العربية على ضعفها ووجود دول عربية تتمتع بالاستقرار والمقبولية مثل قطر والمغرب وسلطنة عمان مثلاً، ومن الخطورة بمكان ان يهرع السودان نحو التفاوض ويكرر ذات خطأ نيفاشا. إمكانية التطبيع بالرغم الجهود التي بذلها امبيكي والتوصية التي وجدها من مجلس السلم والأمن الافريقي بضرورة تحفيز السودان على جهوده بمده بمساعدات اقتصادية تتمثل في مراجعة الحظر وإطلاق تدفق الدعم النقدي الدولي، وإعادة النظر في ديون السودان والعمل على إعفائها إن لم يكن إلغاؤها بالكامل، يري مراقبون ان اميركا ليست في وضع يدفعها لاي تساهل مع السودان، وبالنسبة للقطاعات اليسارية والعلمانية والنصرانية فقد انجزت اقليميا ودوليا مشروعها بنجاح من حيث تقديمها للاسلام السياسي على انه شر مستطير. وقد ضاعف من نجاحها ذلك أن أخذت كل حلفاء اميركا في المنطقة وحتى اعداءها ظاهريا مثل ايران وسوريا معها في المركب، وجعلتهم اكثر بغضاً للاسلام السياسي من الغرب ذاته.. من هنا فإن البون مازال شاسعاً بين اميركا وقبولها التطبيع مع السودان او رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للارهاب وما الى ذلك.
ملف سبتمبر يثير ملف سبتمبر في الواقع غباراً كثيفاً حول أوضاع حقوق الإنسان في السودان، وبحسب ما رشح من معلومات للخبير المستقل عن عدم تعاون واضح من جانب الحكومة بمختلف أجهزتها، بجانب استعراضه سلسلة من الوقائع، تباين وصف التقرير لها من تجاوزات إلى انتهاكات، ثم يدلف التقرير إلى أحداث سبتمبر من العام الماضي، والتي شهدت فيها البلاد سلسلة تظاهرات واسعة ادت الى سقوط العشرات برصاص حي، حيث اظهر التقرير ارقاماً بخلاف الارقام الحكومية التي قدمتها السلطات المختصة لعدد الضحايا في تلك الأحداث، واستنكر ورفض تقرير الخبير المستقل أن تعجز السلطات المختصة عن الوصول إلى أي متهم في تلك الأحداث، ومع كل ذلك طالب الخبير المستقل بضرورة تشكيل لجنة جديدة للتحقيق وتحديد المسؤولية في ما جرى بمراقبة من الاتحاد الإفريقي.
الملاحظ أن حقوق الإنسان واحداث سبتمبر هي جزء من السياسة الاميركية ما نطلق عليه متلازمة العزل.. وفي حين اصبح القتل مزاداً علنياً من العراق لسوريا لمصر لبورما، فإن من المضحك حقاً ان نتصور عدلاً في مجالس جنيف وجلساتها، وخير للسودان ان يرفض من حيث المبدأ أي ضلوع عالمي يرتبط بجنيف، وليكن ما يكون، فليس بالإمكان أسوأ مما كان. ردود متسرعة وصفت الحكومة تقرير الخبير المستقل عن السودان بالمتعجل، ونفى وكيل وزارة العدل عصام عبد القادر صدور التقرير النهائي، وقال لقد صدر تقرير أولي عن الأحداث، والآن في مرحلة وزن البيّنات لتقديم أي متهم للمحاكمة، ووصف تقرير «بدرين» بالتسرع، وقال عصام عن إطلاق سراح المتهم بقتل الطبيبة سارة عبد الباقي، إن القضاء أمر بإعادة محاكمة المتهم مرة أخرى. وجاء رد الحكومة السودانية على خلفية اتهام الخبير المستقل لحقوق الإنسان «مسعود بدرين» في تقريره أمام جلسة مجلس حقوق الإنسان الحكومة بعدم الرغبة في ملاحقة الجناة في أحداث ضحايا تظاهرات سبتمبر العام الماضي، وأن التقرير النهائي لم يقدم أية التزامات بمحاكمة الأفراد المتهمين بقتل المتظاهرين، الى جانب مطالبة السودان بإلغاء المادة «126» من القانون الجنائي الخاصة بالردة، باعتبارها تتعارض مع حق الإنسان في حرية الاعتقاد، وفي ذات الاثناء هدّد السودان على لسان وكيل العدل بالمضي نحو التصويت على القرار، وقال: «ذلك ما تخشاه الولايات المتحدة». واتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً بتشديد القرارات في مواجهة السودان، مشيراً إلى أن أوضاع حقوق الإنسان شهدت تدهوراً مريعاً في العام الحالي، ولفت وكيل العدل إلى أن السودان يتعرض لهجمة شرسة لم تحدث من قبل خمس سنوات. قرار ايجابي وبالرغم مما يحمله تقرير الخبير المستقل من اشارات سالبة تجاه السودان، توقعت نائب مقرر حقوق الانسان في السودان أميمة مبارك السماني أن يصدر مجلس حقوق الإنسان في جنيف قراراً ينصف السودان ويدعم جهوده، وقالت إن السودان ظل يخضع لأكثر من «20» عاماً للإجراءات الخاصة، وطالبت بأن ينظر مجلس حقوق الإنسان في التحديات التي تواجه السودان مقارنةً بالجهود التي يبذلها، وكشفت أميمة في حديثها لـ «الإنتباهة» أن وضع السودان يتطلب دعم ومساندة، مشيرة الى ان مسؤولية ترقية وتعزيز السودان مسؤولية الدولة.

صحيفة الانتباهة
أم سلمة العشا
ت.إ[/JUSTIFY]

Exit mobile version