كانت ليلة أول أمس إحدى الليالي نادرات الحوادث، إذ أنفقتها بحب ورغبة بين ظهراني (طيبة برس) احتفاء بأستاذي الجليل فيصل محمد صالح العائد من منصات التتويج بجائزة (بيترماكلر) الشجاعة والنزاهة الصحفية كأول أفريقي يتحصل عليها، ما زاد هذه الليلة ألقاً هو شعارها الذي طرح مفهوم تواصل الأجيال (الصحفية) إن صح التعبير، على طاولة علي شمو، محجوب محمد صالح، وعادل الباز، وقد أكدت المنصة التي أدارتها (نسرين النمر) أهمية تواصل الأجيال، إذ ينتج عن هذه العملية المعقدة والمستمرة خبرات تراكمية تؤثر إيجاباً على تطور الصحافة ونموها.
ورغم أن المنصة اعترفت بأن الجيل الحالي من الصحفيين، ورغم عمله في ظروف استثنائية ومناخ غير مؤاتٍ، لكنه نجح إلى حد كبير في إنتاج صحافة (معقولة)، يصعد أداؤها ويهبط وفقاً للهامش لتمدد أو انحسار هامش الحريات المتاح، لكنها لم تنجح رغم الاحتفاء الكبير الذي أبداه شباب الصحفيين بالأستاذين (شمو وصالح)، لم تنجح المنصة في إحداث اختراق حقيقي فيما يتعلق بالإجابة عن سؤال التواصل، ليس لأنها لم تكن تمتلك القدرة على ذلك، بل لأن الأمر شديد التعقيد ويحتاج إلى مزيد من (الإخضاع)، إذ أن مفهوم التواصل شائك حد أنه يعتبر أحد أهم المفاهيم المركزية المتداولة في الفلسفة المعاصرة. إذ لم يعد الاهتمام بالتواصل منحصرا في المجال التداولي المرتبط بتبادل المعلومات وتقنيات تبليغها وايصالها، بل أصبح يشكل نظرية علمية وفلسفية مستقلة بذاتها، تستفيد في صياغة حيثياتها من (منتجات) نظريات العلوم الاجتماعية وجدليات (الأنا أو الهوية الذاتية)، وخلافها، وهذا ما تفتقر إليه فضاءات وظيفية وأبداعية كثيرة ضمنها وأهمها الصحافة.
وفي حقيقة الأمر، هنالك شيء مهم لا ينبغي التعالي عليه وهو أن طيفاً كبيراً من الجيل الحالي من الصحفيين يعتقدون أن بعض (الرواد) يقفون حجر عثرة ليس في سبيل تطور المهنة فحسب بل حتى في سبيل تطوير الجيل الحالي من الصحفيين، إذ لا زالوا يتمسكون بأفكار شديدة الجمود وقديمة حتى فيما يتعلق بطريقة كتابة الخبر والتقرير والتحقيق، ويصرون على أنها حقيقة مطلقة غير قابلة للجدل والحوار، فيما الحقيقة تقول إن صحافة جديدة مذهلة تتطور يوماً إثر آخر في (كل الدنيا).
تلك الأجيال مع الاعتراف بأفضالها ومثابرتها وجهودها لم تستطع التواصل مع الأجيال الحديثة، حتى على مستوى التفاعل الرمزي (الطفيف)، وبالتالي فإن النظر إلى احتمال حدوث نوع من التفاعل والتواصل بين الأجيال الصحفية على مستوى أكبر بحيث يحدث تطويراً وتبادل خبرات وإثراء للساحة أمر صعب المنال و(صفري) الحدوث، والراصد إلى ما يجري في الصحف يعرف ذلك.
لذا دعونا نؤكد إن تواصل الأجيال – أمر مهم وحيوي وضروري، لكن لا يمكن الركون إليه كمخرج ذي كفاية وكفاءة لما تمر به الصحافة من حالة أقرب إلى الموت الإكلينيكي، وهذه الحالة تحتاج إلى انعاش فوري عن طريق ضخ وتخصيص (محافظ أو صناديق) للتدريب والتأهيل أثناء الخدمة، وهذا ما يجعل ناشري الصحف يشعرون بصداع نصفي ما أن يطرح عليهم، فيلجأون إلى مصطلح (تواصل الأجيال) كبنادول موضعي للعبور من المأزق، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن جوهر الحياة من جهة أخرى وبحسب جان فرنسوا ليوتار، هو الاختلاف والنزاع وليس الاجماع ، ولا إبداع بدونهم.
الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي