حبيبي خلاص تعال نتلم

[JUSTIFY]
حبيبي خلاص تعال نتلم

قبل سنوات قليلة، انفجرت (موضة) الاستماع للغناء السوداني من ألسنة (إثيوبية) و(إريترية) غير مبينة. فكنت تجد في كل ركشة أو حافلة أو موبايل، مطربين إثيوبيين (يعاتلون) أغنيات السودانيين بـ(كسرة) لسان محببة، وبتوزيع موسيقي يمنح براحات أكبر للإيقاعات الأفريقية والآلات النحاسية. فكنت تسمع (زينوبة) و(حبيبي خلاص تعال نتلم)، و(نور العين)… الخ.
وأظن أن ما يطرب السودانيين حين سماع غنائهم تتناوله أفواه أخرى، تغنيه دون أن يكون غرضها هو (قنطرة) السودانيين من أجل (اللبع) الذي يتيحه هؤلاء لكل من أسمعهم (الحنك السنين) مثل (إخوة) لنا ليس بيننا وبينهم مزاج مشترك في شيء، ولا حتى (الفطير المشلتت). المهم.. تتداول أفواه الإثيوبيين والإريتريين وغيرهم من (الإخوة الصحي صحي)؛ الغناء السوداني لأنه على الأرجح- يتناغم مع مزاجهم، يشبههم في شيء ما، ولا يبدو غريباً عليهم، وإن أعادوا توزيعه فإنه لا يخرج لحنياً عما كان عليه فلا هم (يمسخونه) بسلم سباعي أو تساعي، ولا يحجبهم عن سماعه أن الكلمات بلغة أخرى غير لغتهم الأم (عكس إخوة لنا يفترض أنهم يتحدثون لغتنا ولكن..)؛ ما يطرب السودانيين أكثر من تعثرات الألسن في الكلمات والحروف، ليس نغمات الأغنية، بل نغمة الاعتراف التي يتوقون إليها، بل هو اعتراف قوي بهم يصل مرحلة تمثُّل فنونهم والتشبه بهم (أحيانا). كذلك يلعب التوزيع كما أسلفت- بفورانه الأفريقي المضاعف والجديد على الأغنية؛ يلعب دوره في مخاطبة جينات مقموعة داخل نسيج الأذن السودانية الأفريقية بالأساس وإن ادعى (قطاع الطرق) غير ذلك.
ورغم انحسار (الموضة) هذه بعد (تشبع) الذات الجمعية السودانية باعتراف الآخر (حتى لو لم يكن الآخر المطلوب!)؛ إلا أنه حتى الآن غالبا ما يركن السودانيون إلى الهدوء وهم يسمعون أغنية سودانية بلسان أفريقي في حافلة ما، يلعقون طرباً يعبر عنه أكثرهم بالصمت والسرحان.
كل هذا، جعلني أتساءل: لماذا لا نسمع بمشاركة مطربين سودانيين في مهرجانات الأغنية الأفريقية، على غرار المشاركات المنتظمة في ما يسمى مهرجان الأغنية العربية؟ وقبل أن يقول أحد إن (حاجز) اللغة يقف عائقاً وكدا؛ نذكّر بأن الكثير من الشواهد بينت أن اللغة لم تقف في يوم حاجزاً بين أفريقيا والغناء السوداني، لكنها وقفت وتقف حاجزاً بين العرب والغناء السوداني وليس السلم كما يدعي البعض (فلنتذكر كمثال نانسي عجرم وسخريتها من متسابقة سودانية ومطالبتها لها بأن تتكلم عربي في أحد برامج المسابقات الغنائية مؤخراً).
كل عامين تقريباً يتعالى الجدل حول مشاركة أحدهم في مهرجان الأغنية العربية، ولو فاز هذا الـ(أحدهم) بجائزة ما، يتم التعامل معه وكأنه (بطل قومي) ويصبح (بين ليلة وضحاها) نجماً أو نجمة. لكن سؤالي هو: أليس هناك مهرجان للأغنية الأفريقية في مكان ما؟ إن كان موجوداً فلمَ لا نشارك فيه؟ وإن لم يكن موجوداً أليس من طريقة لننظمه أو نؤسسه على غرار ما شاركنا في تأسيسه من تجمعات إقليمية مختلفة؟ فمن الأولى: من يحبنا أم من (يتريَق) علينا؟
لا زلت أقول (ولو كره الكارهون) إن السودان دولة أفريقية كاملة الدسم، وسكانها أفارقة بلا أدنى لبس أو تلفيق، وكل من يحاول الالتفاف على هذا يتعامى عن أكثر من شمس.
وقديماً (ليس قديماً جداً) أضاف المغني إلى أغنية الكاشف وهو يغنيها أمام رهط الإنقاذ الأول: (أنا أفريقي أنا سوداني.. أنا عربي أنا سوداني) فارتفعت العصي مكبرة ومهللة، وارتفع مؤشر الـ(خجل-ميتر) لديّ وأنا أشاهد ذلك.
رسالة بريئة:
“أرض الخير أفريقيا مكاني.. زمن النور والعزة زماني.. فيها جدودي جباهم عالية.. مواكب ما بتتراجع تاني أقيف قدامها وأقول للدنيا أنا سوداني”.

[/JUSTIFY]

أثر الفراشة – صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version