ما قادني إلى تلك المقدمة الاستفتاء الذي جرى أمس بين الشعب الاسكتلندي الذي كان يرغب في الانفصال عن الدولة البريطانية، لقد ظل الاسكتلنديون في حالة شد وصراع منذ فترة طويلة، ولكن اكتشفوا أخيراً أن الوحدة هي الأفضل لهم والعيش داخل الدولة الواحدة، كان الفارق كبيراً والخيار أكبر للوحدويين أكثر من الانفصاليين.
لم يقدم الشعب الإنجليزي ولا الحكومة الإنجليزية الرشوة للشعب الاسكتلندي ليصوت إلى الوحدة، ولكن طواعية جاء تصويتهم إلى جانب الشعب الأول، ونقول الأول لأنه شعب محترم والشعب الإنجليزي هو فعلاً الأول لتمتعه بكثير من الخصال، وهذه يعلمها الرعيل الأول من الموظفين والإداريين من أبناء الشعب السوداني الذين عايشوا تلك الحقبة مع أولئك. وحدثني الإمام “أحمد المهدي” في إحدى الحوارات التي سبق أن أجريناها معه، حدثنا عن خصال الإنجليز الذين حكموا السودان وكيف كانت معاملتهم مع أبناء الشعب، وامتدت تلك العلاقة عندما يزور شخص مثل الإمام “أحمد المهدي” إنجلترا وهو حفيد “المهدي” الذي لقن جده الإنجليز درساً عصياً وكيف واجهت المهدية الإنجليز. لقد قال لي الإمام “أحمد” إن أحد الإداريين الإنجليز عندما طلب الإمام زيارته بمقر إقامته بلندن، خرج هذا الإداري من منزله وسار مسافة طويلة حتى يكون في استقبال حفيد “المهدي”. مازال الإنجليز يحترمون العلاقة ما بينهم وأبناء الشعب السوداني.
لقد صوت الاسكتلنديون لصالح الوحدة مع إنجلترا وهذا تقدم كبير في فهم الإنجليز، ودرس يمكن أن تستفيد منه شعوب القارة الأفريقية التي تعيش حالات من الصراع في داخلها. لقد كان هناك وجه شبه بين الاسكتلنديين وإخوتنا في جنوب السودان، فهؤلاء لقلة معرفتهم كانوا مندفعين نحو الانفصال أكثر من الوحدة، فلم يحكموا عقلهم كما حكمه الاسكتلنديون، ولذلك فضلوا الانفصال مهما كانت تبعاته عن الوحدة، إلا أنهم الآن وبعد أن نالوا استقلالهم اكتشفوا أنهم خدعوا في هذا الاستفتاء واستعجلوا أكثر مما كانوا يتصورون.
وها هم الآن يتدافعون نحو الشمال الذي رفضوا العيش معه، بل بدأوا يطالبون بالوحدة من جديد.
إن ما قام به أبناء الشعب الاسكتلندي ينبغي أن يستفيد منه كل شعب يرغب في إنشاء دولة أخرى، فالوحدة هي الخيار الأول للشعوب التي ترغب في العيش في أمن وسلام، فهنيئاً للشعب الاسكتلندي وهنيئاً للحكومة البريطانية التي عملت على الحفاظ على شعبها.
المجهر السياسي
خ.ي