بين شرعيتين
عطفاً على الأصوات التي تعالت من (إسلاميين) هنا، تبكي شرعية (مرسي) وتندد بـ(الانقلاب) على الدستور والديمقراطية؛ وبعيداً عن تصنيف: انقلاب ولا ما انقلاب؛ تأتي التساؤلات والتأملات عن الانحياز (الغريزي) إلى المصلحة الذاتية، وهي ذات التأملات التي لفّ ودار حولها الكثيرون دامغين بها الإسلاميين (والشيوعيين كذلك) في تعاطيهم مع الديمقراطية بوصفها (أداة مرحلية) أو (تكتيكا) وتنتهي مهمتها بوصول أي من العقائديين إلى الحكم.
إن من أتى به انقلاب على شرعية دستورية وعلى رئيس منتخب بدعوى (الشرعية الثورية)؛ يصبح مخجلا أن يعلو صوته رافضاً لذات الأمر حين يحدث ضده. لذا أقرأ (بحذر) موقف الحكومة (الرسمي) في سياق (البيتو من قزاز) وكدا.
وبالعودة إلى الاتهام (الواضح) الذي يصوّب نحو العقائدين (إسلاميين وشيوعيين)، عن أخذهم بالديمقراطية عندما تكون في صالحهم، وعندما تكون في صالح الغير تصبح (غير مستحبة)، الأمر الذي يشير به البعض إلى تجذر (اللا ديمقراطية) في عمق وعي العقائديين؛ نجد أن خطاب (الإخوان) في مصر والسودان، ورد الفعل (الإخواني) في مصر خلال اليومين الماضيين؛ يمكن القراءة منهما ما يقود إلى أوجه لم يركز عليها الكثيرون، نحاول هنا ملامستها محتفظين لأنفسنا بمساحة (مراوغة) تستوعب المتغيرات وربما (تقية) في انتظار واقع يقبل القول كاملاً غير مدارى.
أولاً: عن رفض الانقلاب (المفروض أنه من حيث المبدأ ذات نفسه)، البديهي الذي تم تجاهله وتجاوزه، أن الانقلاب العسكري هو الانقلاب العسكري مهما كانت المبررات ومثاليتها (على حسب الخطاب الإسلامي السائد الآن)، هذا يستدعي رفض جميع الانقلابات إذ ليس هناك ما يجعل الانقلاب (الإسلامي) حال حدوثه ضد (شرعية) علمانية انقلاباً مبررا، وحين يحدث انقلاب (علماني) ضد (شرعية) إسلامية يصبح غير مبرر. وإن قال البعض بأن انقلابهم وشرعيتهم الثورية استبدلوها بشرعية دستورية وإن الانقلاب ماضٍ وإنهم أصبحوا يؤمنون بالتداول السلمي؛ فمن الأولى أن يجدوا طريقة لإلغاء الانقلاب القديم ليصدقهم الناس، إذ أن الشرعية لا تبنى على اللا شرعية، كما لا ينبني الصالح على الفاسد.
ثانياً: حتى لا يصبح نظر العقائديين إلى غيرهم نظراً يشوبه التعالي والاستعلاء (بالإيمان عند الإسلاميين وبالعلمية عند غيرهم)، فمن أول دروس الديمقراطية أو ما اصطلح على تسميته قبول الرأي الآخر أو غير ذلك من أسماء؛ أخذ النفس وتوطينها وتهذيبها حتى لا تنفلت إلى فعل العنف المادي رداً على العنف الرمزي بأشكاله. وما فعله الإخوان بعد (عزل) مرسي أو (الانقلاب عليه) لا يجلب لهم تعاطفاً ولا يجعل حجتهم بتجذر الديمقراطية فيهم حجة مقبولة، فبالنظر إلى الموقف نرى عدة سبل كان يمكن أن يتخذها الإخوان للتعاطي مع الانقلاب، وقبله التعاطي مع الآخر بما لا يوصل إلى الانقلاب، لكن عقلية (الإخوان) في ركلها للآلية التي أوصلتها إلى الحكم، تصلبت في تشبث حاد بالحكم، جعل نزعه منها أشبه بالفطام، الذي انفجرت أعراضه خلال اليومين الماضيين، وهذا أيضاً مما لا يساعد على الثقة في (نوايا) الجماعة، وقصة النوايا هذه هي التي عجلت بالحريق.
ثالثاً: يعرف المتباكون هنا وهناك على النظام الديمقراطي وشرعيته من الإسلاميين أنهم إنما يبكون (شرعية) أخرى غير التي يعرفها غيرهم، إذ أن ما اتضح من مراقبة الأحداث أن هناك شرعيتين واحدة يمكن فداؤها بالدم والروح (في حال كانت شرعية إسلاميين) والأخرى يمكن الانقلاب عليها دون ندم ودون تباكٍ (مبارك في مصر، الصادق المهدي عندنا)، وهذا لعمري ما يجعل الإسلاميين في نفقهم الضيق هذا إلى ما شاء الله.
رسالة بريئة:
أيها الإخوان.. اسألوا أنفسكم: لماذا يرفضكم الجميع؟ وجاوبوا بصدق بعيداً عن نظرية المؤامرة.. حينها قد ترون ما أنتم عليه حقاً.
أثر الفراشة – صحيفة اليوم التالي