بعد عام أو يزيد كنت في طريقي لزيارة أقاربي في الخرطوم جنوب.. لفت نظري أحدهم أن وزير المالية يحتفي مع عشيرته بافتتاح دار جديدة في حي الراقي المجاور للمجاهدين.. مضيت إلى هنالك.. شدني المبنى الأنيق المكون من خمسة طوابق.. بسطت موائد الطعام في كل مكان فيما أحدهم يمجد الأستاذ علي محمود، عبر مكبر صوت.. حاولت أن اطرد الهواجس واحدث نفسي أن منزلا واحدا ليس بالكثير على رجل عمل بالسياسة والتجارة وله علاقات بالمصارف.. ربما باع بيتا أو ورث شيئا من أبيه.
بالأمس نشرت الزميلة الأهرام اليوم أن وسيطا تجاريا بصدد رفع دعوى ضد وزير المالية السابق.. الصحيفة لم تذكر اسم وزير بعينه ولكن الوزير السابق في علم اللغة ليس إلا الأستاذ علي محمود الذي كان قبل سنوات يشكو من ارتفاع أسعار التذاكر.. انه ذات الشيخ الذي كان يهدي للصحفيين تجاربه التقشفية في إدارة ميزانية المنازل.. السمسار زعم في دعواه أن كان وسيطا بين الوزير ومالك بيت في الرياض قدر سعره بتسعة عشر مليار جنيه سوداني بالقديم.. وحتى نيسر للقارئ تلك التقديرات نجملها في نحو مليوني دولار.. السمسار أوضح أن مناديب الوزير تواصلوا مباشرة مع المالك ولم يمنحونه عمولته المتعارف عليها قانونا.
لسنا بصدد تصديق أو تكذيب كامل الرواية الدرامية.. إلا أن مجرد أن يفاوض وزيرا سابقا على منزل قيمته مليوني دولار فتلك كارثة. تستدعي التحقيق. الآن بات فرضا على وزير المالية السابق أن يوضح الحقائق مجردة حول بيت الرياض الملياري.. الحرج يصل إلى الحزب الحاكم الذي قدم هؤلاء الرجال لقيادة الناس
الخرطوم مدينة لا تحفظ الأسرار.. رجل أعمال شب مؤخراً تفاوض مع عدد من الشركات لتزويد بيته بنظام تكييف مركزي كلفته نصف مليار جنيه.. ورجل أعمال آخر من طينة المؤتمر الوطني ارسل مناديبه لشراء مقر جديد لمجموعة شركاته.. ميزانية المقر المقترح نحو مليون دولار بالتمام والكمال.. يحدث ذلك والشعب تطحنه موجة غلاء طاحن.. مئات الآلاف من التلاميذ يتوجهون للمدارس وبطونهم خاوية ويعودون لذويهم ولا يجدون حتى الخبز الحاف.. آلاف المرضى يتحملون الألم لأنهم لا يملكون ثمن الدواء.
بصراحة.. أين ملفات إبراء الذمة التي يملأها المسئولون سرا.. هل تتم إعادة وزن المسئول عندما يخرج من المنصب الحكومي.. الإجابة أن الأمر مجرد إجراء روتيني ثم يقبع الملف في ركن مظلم من وزارة العدل.. لن ينصلح الحال إلا إذا تم نشر الذمة المالية لكل مسئول في الهواء الطلق حين التكليف وعند أبواب المغادرة النهائية.. حينما يعلم الجميع أن ثمن الوزارة يعني الطهر والنقاء والشفافية سيتوارى المفسدون.
عبدالباقي الظافر- التيار السودانية