في عاصمة خليجية مثل مدرس أمام القضاء لعدم «وفائه» بالتزاماته، فقد كان صاحبنا يعطي الدروس الخصوصية بالكربون، أي أنه كان يجمع عددا من الطلاب ويعطيهم الدروس بالجملة ويحاسبهم بسعر الجملة.. يأتونه المجموعة تلو الأخرى من طلاب مدرسته، ويدفع كل منهم مائة ريال عن الساعة ويخرجون، وكل من له علاقة بالتدريس والتعلُّم والتعليم يعرف أن الدروس الخصوصية للمجموعات ليست «خصوصية»، فهي لا تختلف كثيرا عن الدروس في المدرسة، بينما التدريس الذي يقتصر على طرفين، يرغم الطالب على التركيز ويجعل المدرس قادرا على تقصي مدى استيعاب الطالب للدرس.. وشعر صاحبنا مع قرب موعد الامتحانات بأن أولياء أمور الطلاب الذين دفعوا له الشيء الفلاني، سيكتشفون أنه مدرس «أي كلام»، بمجرد ظهور النتائج.. وهكذا قال للطلاب: ولا يهمكم.. سأعطي كل واحد منكم من الدرجات ما يكفل له النجاح المشرف نظير عمولة إضافية، وظهرت نتائج الامتحانات، واتضح انه نسي أمر بعض الطلاب، فرسبوا في كذا مادة.. مسكين.. يتذكر مين وتخلي مين؟.. في مصر عندما يتضح ان الفيلم بايخ يصيح الجمهور «سيما أونطة هاتو فلوسنا» ويبدأون في تكسير المقاعد فترد لهم إدارة السينما قيمة التذاكر.. وفعل الطلاب الراسبون نفس الشيء.. طنطنوا ونقنقوا وتفشى الخبر،.. وانكشف الأمر واتضح أمر طلاب نالوا درجات لا يستحقونها، بينما غيرهم وآخرون دفع قيمة الدرجات الموعودة ولم يحصل عليها.
في كلية الآداب باحدى الجامعات كان هناك محاضر مصري متمكن من المادة التي كان يدرسها ولكنه كان دائم «التخريم» ويستمتع الطلاب باستدراجه للخوض في مواضيع فكرية لا علاقة لها بالمناهج العقيمة، وكان بالتالي من السهل استدراجه أيضا للإفصاح عن محتوى الامتحان الذي أعده هو لطلابه: ما تشيلوش هم.. يعني تركزوا على كذا وكذا.. وبالفعل يكون الامتحان حول كذا وكذا.. وفي ذات عام ظل يسرح بالطلاب في عوالم الأدب والفكر، ومع اقتراب الامتحانات جرت عملية الاستدراج، وركز الطلاب على كذا وكذا ولكنهم لم يجدوا لها أثرا في الامتحان فجاءوه محتجين فقال بكل عفوية: يخرب.. باين أديتكو أسئلة الملاحق (الدور الثاني).. وطبعا رسب كل من عوَّل على كذا وكذا، ولكنهم نجحوا في امتحانات الملاحق بغير جدارة.
بمعايير هذا الزمن يعتبر جيل المدرسين الذي أنتمي إليه قمة في العباطة، لأننا وفي كل المراحل كنا نأتي بالطلاب في الأمسيات إلى المدارس ونراجع معهم الدروس يوما تلو الآخر بلا مقابل لتحضيرهم للامتحانات.. واليوم التقي بمدرسين في العشرينات من حيث العمر البايولوجي، ولكن أشكالهم توحي بأنهم في سن التقاعد، والسر: الدروس الخصوصية.. يتنقل الواحد منهم من بيت إلى بيت لنحو 8 ساعات، فوق ساعات العمل الرسمي! ولا اعتراض على الدروس الخصوصية، ولكن ان يكون العيال بحاجة إلى مدرس خصوصي في كل المواد تقريبا، وفي كل المراحل بما في ذلك الجامعية، فمعنى هذا أن القضية التعليمية عندنا بايظة على كل المستويات.. والطامة الأخرى هي أن الطلب المتزايد على الدروس الخصوصية جعل التدريس مهنة جاذبة فدخلها كثيرون مكانهم الطبيعي مقاعد الدراسة… وفي ظل اختلال معايير التعليم، تجد عائلات مشغولة لأسابيع استعدادا لحفل تخريج طفل أكمل «الروضة».. حسرة علينا: تخرجت في الجامعة وعدت إلى البيت وكان العشاء خبز سكند هاند بملوخية بايتة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]