حرب الاجهزة الطبية..تشنها الإدارة الامريكية وضحاياها المرضى السودانيين

حرب أمريكية سرية تدور في الخفاء ضد السودان، أسلحتها الأجهزة الطبية والتشخيصية، وضحيتها المرضى السودانيين. عشرات الأجهزة الطبية والتشخيصية الأمريكية باهظة الثمن تتكدس الآن داخل بعض المستشفيات والمراكز العلاجية العامة والخاصة دون الإستفادة منها لإفتقادها لقطع الغيار أو مفتاح الخدمة الحاسوبي بينما المرضى في أمس الحاجة لها.. حرب الأجهزة الطبية، حرب لا إنسانية تستهدف القطاع الطبي السوداني الذي يجب التعامل معه تجارياً ومهنياً وليس سياسياً.. (الخرطوم- أم درمان – سوبا – الشرطة- ودمدني – المركز الطبي الحديث – الفيصل- فضيل- يستبشرون) مستشفيات عامة وخاصة تضرر مرضاها من هذه الحرب الطبية.. وإليكم تفاصيل هذه الإشكالية اللا إنسانية..

جنرال إليكتريك
(جنراك إليكتريك)، شركة أمريكية معروفة ومشهورة على نطاق العالم بمصنوعاتها ذات الجودة العالية، ومنها الأجهزة الطبية، سبق لها أن حرمت السودان من قطع غيار السكة الحديد، فتوقفت اعداد كبيرة من الوابورات الساحبة، مما تسبب في تدهور قطاع السكة الحديد، وبعد أن باعت الشركة أجهزة طبية كثيرة للقطاعين العام والخاص، توترت العلاقة بين السودان وأمريكا، فأصبح أي جهاز طبي أو قطع غيار أمريكية – سواء من «جنرال إليكتريك»، او غيرها من الشركات الأمريكية – متوجهة للسودان يجب أن تحصل أولاً على (إذن صادر) من الخزانة الأمريكية، وأحيانا يستغرق الحصول على الاذن حوالي «9» اشهر كاملة، بدلا من شهر واحد قبل الحظر، لذلك أصبحت المستشفيات والمراكز العلاجية – عامة وخاصة – تمتليء باعداد كبيرة من الأجهزة الطبية، وأهمها أجهزة العناية المكثفة، فهي متوقفة عن العمل بينما المرضى السودانيين في أمس الحاجة لها، ليس لسبب إلا لحاجتها لقطع الغيار الممنوعة بأمر الإدارة الامريكية. والتقارير التي تحصلت عليها تشير إلى أنها اصبحت واحدة من أسباب وفيات المرضى بالبلاد، ومعاناة رئيسية للمرضى خاصة الاجهزة التشخيصية.
هناك عدد من المستشفيات إشترت من شركة (جنرال إليكتريك) أجهزة رنين مغنطيسي، لكن لم يتم شحنها لها بسبب الحظر الأمريكي، وبعضها وصل البلاد ويقبع حاليا داخل بعض المستشفيات دون تشغيله، وعلى سبيل المثال ، «المركز الطبي الحديث» – قطاع خاص – إستورد جهاز رنين مغنطيسي لم يتم تركيبه والاستفادة منه طيلة «11» شهراً، إلا انه ببعض المجهودات الخارقة تم تركيبه اخيراً. والإشكالية التي تواجه الأجهزة الطبية الأمريكية خاصة اجهزة «جنراك إليكتريك» أن هناك عدداً كبيراً منها يتكدس بالمؤسسات العلاجية دون الاستفادة منها لرفض الشركة إمدادها بقطع الغيار الإ باذن من الإدارة الامريكية، يشمل ذلك الأجهزة العلاجية والتشخيصية الموجودة بمستشفيات : الخرطوم ، أم درمان، سوبا، السلام للقلب، المركز الطبي الحديث، آسيا، الفيصل، فضيل، ويستبشرون.

حظر سياسي
? السؤال هنا: كيف ولماذا تسيس الأجهزة الطبية الامريكية المنقذة للحياة؟
– المراقبون يرون ان السياسة الامريكية تتدخل في حياة المرضى السودانيين، مشيرين إلى ان الادارة الأمريكية إستثنت الجنوب والغرب، وجبال النوبة، والنيل الأزرق من الحظر،جميعها مستثناة من الحظر، وسبق ان وردت تصريحات من الإدارة الأمريكية في هذا الشأن تقول : (يمكن إدخال الاجهزة الطبية للمناطق المستثناة بشرط عدم دخولها السودان عبر الشمال!!).
ويؤكد البعض إستناداً إلى ذلك ان حظر الاجهزة الطبية وقطع غيارها مخطط سياسي واضح يهدف لتمزيق السودان. وهناك منظمة تعمل بالسودان تم إستخراج تصديق لها من الخزانة الأمريكية والخارجية، لجلب اجهزة طبية في أقل من شهر واحد، وهذا يوضح أحد سيناريوهات التدخل السياسي في أرواح وصحة السودانيين. والاجهزة التي يشملها الحظر، متنوعة وكثيرة تشمل أجهزة : (عناية مكثفة + رنين مغنطيسي + أشعة مقطعية + موجات صوتية + أجهزة القلب +حاضنات الأطفال الخُدج).. ومن المؤسسات العلاجية التي تعاني حالياً من هذه الإشكالية، السلاح الطبي الذي بدأ إجراءاته لجلب بعض الأجهزة الطبية الأمريكية، وقام بفتح الإعتمادات اللازمة، إلا انه لم يتم شحنها للسودان بأمر الإدارة الأمريكية» ونفس الحال ينطبق على مركز القلب بودمدني،حيث رفضت السلطات الأمريكية إستخراج تصديق جهاز قسطرة قلب، فتضرر المئات من المرضى الفقراء، وأصبحت حياتهم على المحك، إذ ظلت الادارة الامريكية تماطل وتتباطأ لأكثر من «41» شهراً كاملة لإستخراج رخصة الجهاز، في حين أن نفس الجهاز تم إستخراج تصديق له لمستشفى بالخرطوم يحمل الصفة الأوروبية في أقل من شهرين، عملا بمبدأ: (حلال عليهم حرام عليكم)..فلماذا هذا الخيار والفقوس؟!.. انها الأجندة الخفية وأصابع اللوبي السياسي الأمريكي التي باتت تتحكم حتى في حياة المرضى. والغريب ان الإدارة الامريكية إستخرجت تصديق جهاز قسطرة القلب لمركز القلب بودمدني بعد «3» أيام من إنتهاء تاريخ الإعتماد، أي أن التصديق أصبح تحصيل حاصل، ذراً للرماد على العيون..

أجهزة متطورة.. ولكن
«المركز الطبي الحديث» إحدى المؤسسات العلاجية التي تضررت من حرب الأجهزة الطبية الأمريكية، المهندس «منير الحكيم نائب رئيس مجلس إدارة المركز ومدير عام شركة التنمية الإسلامية التي تمتلك «58%» من رأس مال المركز قال لي حول هذه الإشكالية:
«لا ننكر تميز أجهزة (جنرال إليكتريك) الأمريكية تعميماً، واداء وإمكانيات، وعندما بدأنا إدخالها كنا نهدف لتوفير آليات حديثة حتى يجد المريض السوداني فرص العمل التشخيصي المتطور داخل وطنه، ووفقا لهذا المفهوم أدخلنا أول جهاز للجسم الكامل، من الأشعة المقطعية وكان من شركة «جنرال إليكتريك». وإستطعنا بهذا الجهاز إنجاز عمل مميز في الجانب التشخيصي بالسودان، وإستوردنا أجهزة طبية أخرى من نفس الشركة، قبل الحظر، وكان وكيل الشركة بالسودان يقوم برعاية وصيانة ومتابعة الأجهزة، وقررنا التقدم خطوة متقدمة أكثر، فقررنا شراء جهاز للرنين المغنطيسي بأكثر من مليون ونصف المليون دولار، وتعاقدنا مع الموزع التابع للشركة بالسودان لشراء وتركيب وتجربة الجهاز خلال «3» أسابيع بعد وصول الجهاز، ومن جانبنا شيدنا المبنى الخاص بالجهاز وعملنا له كل التجهيزات المختلفة طبقا للمواصفات الخاصة بشركة «جنرال إليكتريك» وعندما شرعنا في التركيب فوجئنا ان الإدارة الأمريكية أصدرت قراراً ينص على ان اي جهاز أمريكي لايتم تركيبه الا بإذن من الإدارة الأمريكية، وفوجئنا بعدها ان الحكومة الامريكية إشترطت الحصول على رخصة منفصلة للتركيب خلاف رخصة الشراء.

رخصة الأوفاك
? قاطعته: متى وصل جهاز الأشعة المقطعية المتطور للبلاد؟
– في يناير 8002م ومنذ ذلك التاريخ ظللنا نلاحق الموزع في السودان لتركيبه دون جدوى، وإتصلنا بمكتب «جنرال إليكتريك» بالقاهرة ، ودبي، وكل المنطقة العربية سعيا لتركيبه، لكننا للأسف فوجئنا ان ما يسمى (مفتاح الخدمة)، (Service Key) – وهو عبارة عن نظام حاسوبي لتركيب الجهاز وتشغيله – لا يمكننا الحصول عليه إلا بإذن من الحكومة الأمريكية ، عبر تصديق يسمى (الأوفاك) ، صادر من وزارة التجارة الأمريكية، وظللنا نسعى للحصول على هذا (الادفاك) من مكتب الشركة بباريس والقاهرة دون طائل..
? ولماذا رفض تسليمكم «الأوفاك»؟
– لانه بدون إذن الحكومة الأمريكية لا يمكن لاي وكيل لجنرال إليكتريك التصرف لتركيب اي جهاز امريكي في السودان.
? ولكن، لماذا لم تلجأوا لشركات من جنسيات أخرى لتركيب هذا الجهاز باهظ الثمن؟
– إتصلنا ببعض الشركات الخاصة بتركيا لتركيب الجهاز، وأدعوا انهم يملكون (مفتاح الخدمة) الحاسوبي، وبعد قرابة «11» شهراً ، وبعد أن وصلنا الى مرحلة الاتفاق مع الجهة التركية تمت الموافقة الامريكية على منحنا المفتاح الحاسوبي لتركيب الجهاز.
? وهل ظل الجهاز لا يعمل لحوالي العام؟
– أجل ، ظل قرابة العام دون الاستفادة منه، بل أننا كنا نصرف عليه أموالا طائلة تمثلت في تبريد المغنطيسي الخاص به،وتحملنا خسارات طائلة بجانب خسارتنا مع البنك الممول، والأهم خسارتنا لسمعتنا مع المرضى الذين وعدناهم بالجهاز ولم يستفيدوا منه. المهم بعد موافقة الحكومة الأمريكية، أخطرنا مكتب الشركة بفرنسا بذلك، فحضر فريق من الخبراء بواسطة الوكيل وقاموا بتركيب الجهاز،وتشغيله في نوفمبر 8002م.
? وهل إستجلاب قطع الغيار للجهاز متاحة لكم؟
– طبيعة هذه الأجهزة حاجتها المستمرة لقطع الغيار والبرامج الحاسوبية، وإلى تطوير التطورات التي تحدث، ونتوقع ، صراحة مزيداً من المشاكل مع الشركة الأمريكية، وهذا ما ينبيء عنه توقف جهاز (الأشعة المقطعية الحلزونية) منذ فترة بسبب قطعة غيار صغيرة.

معاقبة المرضى
? وهل قطعة غيار صغيرة تحتاج لإذن من الإدارة الأمريكية؟
– لا يمكن الحصول على اية قطعة غيار، مهما كان صغرها، إلا بإذن من (الأوفاك)، من الحكومة الأمريكية، ويمكنك ان تقدر عدد المرضى المتضررين من هذا الإجراء، أو عدد الحالات الحرجة في الحوادث أو الطواريء الذين لا يجدون فرصة في الجهاز الذي كان يمكن أن يعينهم على الشفاء.
? ذلك يعني أن الإدارة الأمريكية تعاقب المرضى بهذا القرار؟
– أجل هي معاقبة لمرضانا في المقام الأول، وكان يفترض التعامل مع المؤسسات العلاجية تعاملاً تجارياً لا سياسياً، طالما أنهم وافقوا على بيع الأجهزة لنا، وتركيب وصيانة الاجهزة الطبية أمر طبيعي، خاصة أن الحكومة الأمريكية نفسها إستثنت أجهزة الرعاية الصحية والطبية حتى للدول التي لها معها مقاطعة بدعوى أنها دول داعمة او راعية للإرهاب، إستثنت تلك الدول من تصدير الأجهزة الطبية الأمريكية، ونستغرب ونندهش حقيقة لهذا التعامل مع الأجهزة الطبية التشخيصية التي تقدم العلاج لمرضانا في السودان، بينما يتباكى الأمريكان ومنظماتهم على صحة الانسان في دارفور، فإنهم يعاقبون مرضانا بهذه المعاملة غير الإنسانية.
? ألا توجد كوادر سودانية قادرة على تشغيل وصيانة الأجهزة الطبية الأمريكية؟
– الحمد لله، لدينا كوادر سودانية مؤهلة ومدربة، تستطيع صيانة الاجهزة الطبية الأمريكية الموجودة حالياً بالبلاد، لكن للأسف، بدون قطع الغيار يقفون مكتوفي الأيدي.

آسيا.. ضرر كبير
من المركز الطبي الحديث توجهت مباشرة الى مستشفى آسيا بأم درمان، وهو من المستشفيات المتضررة من إشكالية الأجهزة الطبية الأمريكية، قال لي مدير المستشفى، «صلاح ميرغني» تضررنا كثيراً من الحظر الأمريكي، خاصة أجهزة الأشعة المقطعية والرنين المغنطيسي، وجهاز (دوبلر) – جهاز فحص الشرايين والأوردة – وجهاز فحص الثدي (Mammography)، بجانب جهاز الموجات الصوتية رباعي الأبعاد، وجهاز الأشعة الموبايل، وجهاز أشعة موجات صوتية عادي، وجهاز أشعة «CR» – أشعة مرئية بغرفة العملية – جميع هذه الاجهزة الطبية أمريكية من شركة (جنرال إليكتريك)، ومعظمها متوقف عن العمل، وللأسف بعضها متوقف عن العمل منذ عام كامل بسبب قطع غيار قيمتها لا تزيد عن الألف دولار. وهناك جهاز «MRI» سعره حوالي «005» ألف دولار، تم تركيبه منذ «8» أشهر لكنه لا يعمل، وهو يحتاج فقط إلى البرمجة، ولم يعمل منذ تركيبه في يونيو 8002م.. هذه الاجهزة التشخيصية دقيقة ومتطورة وبتوقفها فإن تشخيص المرض لا يكون مكتملا، وهي تساعد على العلاج بالداخل، كما ان جهاز الرنين المغنطيسي مهم وحيوي لاطباء الباطنية والمخ والاورام ويقدم للمرضى خدمة كبيرة، وبسبب توقف الأجهزة الطبية المذكورة فإن كثيراً من المرضى يضطرون للسفر للخارج لإجرائها
«نواصل.»
التاج عثمان :الراي العام

Exit mobile version