هل هي تراجيدا القلق السياسي في السودان، أم واحدة من سمات ساس يسوس، حيث تتوالد الأحزاب من أحزاب، وتنغلق الدروب والأبواب وتسد المنافذ، وتعجز العقلية الحزبية في بلادنا عن لعق جراحاتها وطي خلافاتها، فتختار الطريق الوحيد، إما معنا أو ضدنا!!
لا توجد مساحة لتجسير الهوة وعلاج الداء وتطييب الخواطر، كلٌ يسير في طريق، لا أحد مع أحد، والجميع ضد الكل، وتعلن كل ثلة من الساسة أختها، وترى هؤلاء السياسيين سكارى المطمح السياسي وبصراعاتهم وما هم بسكاري.
يولد اليوم من رحم الخلاف الغضب والحنق حزب الإصلاح والنهضة، وهو حزب الإصلاحيين في المؤتمر الوطني الذين تم فصل قيادتهم أخيراً، وهو يحمل رؤية هذا التيار وطموحاته وتطلعاته بعد أن عادت مراكبهم خاوية الوفاض وطاوية البطن من معركة الإصلاح داخل الحزب الحاكم، فخرجوا منه ملعونين من إخوانهم ومنبوذين من أشقاء الأمس أعداء اليوم..
هل هو حزب جديد بأفكار قديمة، أم محاولة سعي بين إرث الحزب القديم المتروك وآفاق التطوير المرتجى الذي تعلق الإصلاحيون فوق حباله وما وطئوا التراب حتى اللحظة.
إنشاء حزب جديد في هذه الظروف مغامرة شاقة ومقامرة غير مضمونة الحظ، إذا كان تيار الإصلاح بنى نظريته الإصلاحية على إصلاح ومعالجة أعطاب ما هو موجود أي المؤتمر الوطني، فإنه سيكون في بناء حديث وجديد لأطر وتفاصيل كاملة غير شعارات الإصلاح، وستكون التزاماته ومنهجه في طرح برامجه مختلفة ومغايرة ومن نقطة الصفر، لأن تلك المناداة الإصلاحية قد انتفت أسبابها بخروجهم من الجسم العليل الذي أراده علاجه.. وفقدت الدعوة الإصلاحية الداخلية صلاحيتها وقيمتها.
فهل يا ترى ستكون الأفكار والشعارات المؤسسة للحزب الوليد هي ذات القاعدة الفكرية والمرجعية التي قام عليها المؤتمر الوطني.. أم شيئاً آخر؟
كل ما في الامر أننا في بلد العجائب والغرائب السياسية، سنعيش رجباً لنرى عجباً!!
٭ ماذا ستفعل مصر
إذا صحت الأنباء عن رفض إثيوبيا أية مشاركة لمصر في عملية بناء سد النهضة الإثيوبي في كل مراحله أو الإشراف على تشييد هذا السد، كما جاء في بعض الصحف، وتمسكت أديس أبابا باتفاقية عنتبي لدول حوض وادي النيل، من خلال لقاء الرئيس المؤقت في مصر عدلي منصور مع ماريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة العربية الإفريقية بالكويت نهاية الأسبوع الماضي، إذا صح ذلك فإن الأمور ستتعقد أكثر بين الدولتين وستسوء بدرجة أكبر بين مصر وبقية دول حوض النيل، حيث تقف القاهرة وحيدة لولا موقف الخرطوم المتحفظ على بعض بنود الاتفاقية.
وخطورة هذا الأمر أن مصر لن تجد من يستجيب لطلبها بالإبقاء على حصص دول حوض النيل كما هي، وتنوي دول الحوض وفقاً لاتفاقية عنتبي إعادة النظر في الحصص المائية خاصة دولتي المصب مصر والسودان، وتطالب إثيوبيا بحصة أكبر تنتفع بها من مياه النيل الأزرق بوصفها دولة منبع.
لا خيار أمام مصر إلا الدخول في حوارات ونقاشات جادة وصريحة مع كل دول حوض النيل، فهي لن تستطيع بالطبع معاداة الجميع ولا التهديد كما يفعل الإعلام المصري بضرب السد أو الاعتداء عليه فتلك ترهات لا قيمة لها.
الواقع يفرض على مصر ونسبة لأهمية النيل لها وشريان حياتها الحيوي، أن تتجنب المواجهات وتبدأ بتنمية علاقات جدية وتصل لتفاهمات مع هذه الدول قبل أن يبلغ السيل الزبى … لقد عابوا على مرسي موقفه من سد النهضة، فماذا ستفعل السلطة الانقلابية الجديدة مع موقف دول الحوض؟
٭ الصلح الأهلي في خطوة الشيخ يوسف
كان رهط كبير من أعيان قبيلة الرزيقات يشق الطريق الترابي المقفر والخلاء الفسيح في بادية المسلمية بشرق الجزيرة محلية رفاعة نهار أمس الجمعة، من أجل تصالح أهلي بين القبيلتين، وطي ملف قضية أولياء الدم فيها من المسلمية، في حادثة مقتل طالبة جامعة النيلين على يد أحد أبناء الرزيقات، الطريق إلى خطوة الشيخ مكي، يجعلك تتعرف على الواقع الحقيقي المزري لهذه المناطق المنسية، قرى متناثرة هنا وهناك تبلغ «56» قرية، تقع تحت ظل التنمية والخدمات، تحس بأن القحط والعوز والإهمال تنطق به البيوت اليائسة والحيطان الشاحبة وأشجار السيال والحشائش الجافة التي تمتد في البطاح.
هذه القرى موطن قبيلة المسلمية العريقة، «الشيخ مكي ود الحسين، الخطوة، العرباب، الشمرة، رزقاب القبة، رزقاب صالح، العوايدة، الشارواب، الشويماب، الحمدينات، الغسينات، ود مكادي، البرورات، قوز حماد» تشتكي لطوب الأرض، من نقص الخدمات خاصة التعليم والصحة والكهرباء والمياه وغيرها من ضروريات الحياة، فهذه القرى الست وخمسين لا توجد بها مدرسة ثانوية واحدة، وتفتقر لأبسط مقومات الحياة لمنطقة على مرمى حجر من الخرطوم عاصمة البلاد، وتنتمي لولاية الجزيرة الأفضل في مجال التنمية والخدمات في البلاد.
برغم الواقع المرير لهذه المنطقة، إلا أنها تحمل فوق ظهرها وترابها أنبل قبائل السودان وهم المسلمية، ويقول المثل السوداني «تحت كل بنية مسلمية»، هؤلاء القوم أهل بادية وصلاح ومروءة ونجدة وكرم ودين وأخلاق وقيم، تجسد أصالتهم وحسن معدنهم وتقبلهم للشدائد.. عاشوا في هذه المنطقة من زمن قديم، اشتهر منهم رجال من أمثال الشيخ العارف بالله مكي ود الحسين والعمدة الريد ود فائق والعمدة محمد حسب الرسول والشاعر القومي الشهير الشيخ إبراهيم ود نفيسة.. وهم رعاة ومزارعين لكن يغلب عليهم طبع الرعاة في كرمهم وإغاثة المهلوف ونجدة المستصرخ..
قضينا يوماً كاملاً في كنف هذه القبيلة في خطوة الشيخ مكي، مائة من الرزيقات تقريباً بقيادة عبد الله مسار والوزير الصادق محمد علي ومحمد عيسى عليو، وجدوا أنفسهم كأنهم في بواديهم هناك في ولايات دارفور، ذات الطباع والقيم والفضائل والسمات، لم يحتج موضوع الزيارة لتسوية القضية لكثير حديث، فأعراف القبائل هي ذاتها، لقد كانت قيم العفو والصفح تظلل بسحائبها المكان، ولو اعتمد أهل السودان منهج الصلح الأهلي في تسوية كل نزاعاتهم لما وجدنا حروباً ولا غبناً ولا مظلمة، فالسودانيون في كل مكان هم نسخة واحدة في شجاعتهم وفضلهم وكرمهم وشهامتهم.. وقد برزت حكمة الإدارات الأهلية أعيان القبائل، فحديثهم في هذه الملمات محكم ودقيق يفيض بالأمثال والحكمة وخلاصات التجربة والخبرة، لو فقدنا مثل هؤلاء الرجال في كل قبائل السودان لفقدان حاضرنا ومستقبلنا، وهذه دعوة للدولة لرعاية النظام الأهلي ورد الاعتبار للنظار والمشايخ والعمد والشيوخ والسلاطين والمكوك والملوك والشراتي..
تعلمنا درساً من هذه القرى المنسية، وسمعنا أقوالاً وأقاصيص وحكايات من أهلها خاصة العمدة ود حسب الرسول، وأحمد الفنجري أبرز القيادات السياسية في المنطقة، والعمدة حسن الخليفة دفع الله رئيس المحكمة في الشيخ مكي، والأستاذ علي النمير عضو المجلس التشريعي بالمحلية، ومصطفى الصديق عبد الله، والمقدم بابكر إبراهيم التاج، والحاج الغرقان ورجال الأعمال البكري محمد أحمد محمود وأحمد الصديق جبرة.
ليت الناس يتعملَّون
أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة