ورويداً رويداً.. يتهادى فصل الخريف، ويوشك أن يصل محطته الأخيرة، وتخفق قلوب أهل القضارف الولاية، وهم يرنون بشغف بالغ إلى (الدرت) الذي بات قاب قوسين أو أدنى، و(جابيرك) و(ورديات) الولاية التي خرجت لتوها من حمام الشمس الساخن لعينة (الجبهة) المطيرة مرتفعة درجة الحرارة، تتطلع ذات المروج والمساحات الممتدة بالخضرة والمتزينة بنباتات (السمسم) لعينة جديدة ربما ختامية تغسل مما علق بها من جسيمات الطين الناشف بفعل الشمس الذي طاب له المقام تزامناً مع (صبنة) عابرة ألمت بغلَّة السمسم في الأيام الفائتة، أو أن أبا المحصولات في الولاية أحد أبرز أنواع المواد الخام للزيوت والحلويات و(المحمصات)، وربما ينتظر بفارق الصبر أن تلثم جسده الأخضر حبيبات مطر تزيل برفق أزهار (نوار) السمسم التي يحتاجها في مثل هذه الأيام، باعتبار أن (النوار) لا يحب أن يبارح نبتة السمسم، اللهم إلا إذا اقتلعته حبيبات المطر عنوة.
والسمسم المشكل غلة اقتصادية في الطليعة، يحتاج – بحسب أنس يوسف المهندس الزراعي – لما يقارب الـ 90 يومياً لإكمال فترة الإنبات والنمو، وهي تصل لثلاثة أشهر بالتمام والكمال، تجعله يستوي على سوقه قبل أن يعجب الزراع والنظارة الذين يختلسون النظر إليه في عجب بائن لا تخطئه العين .
عينات مطر
وفي فترة الإنبات يمر على زراعة السمسم عدد من منازل (عينات) المطر التي تمطره مراراً في حالة نجاح فصل الخريف كعينات: الثريا، الضبران، الهنعة، الضراع، النترة، الطرفة، الجبهة، الخرسان، الصرف، العواء والسماك. وتستمر (العينة) لـ 12 يوماً غير أن أغلب زراعة وحصاد السمسم في الولاية تنحصر ما بين شهري يونيو وسبتمبر، أي بين عينة الضربان إلى عينتي الخرسان (الخير سال) أو في حالة تأخر زراعته يتم قطعه عند عينة الصرف (أبو موية غرف) أو بعدها بقليل.
نوار في مهب الريح
وأروع ما في تتبع (السمسم) تسمياته التي ينعتها به الأهالي والزراع، وفمنذ بذره في التربة ينتظر المزارع أسابيع قليلة بعد أول مطرة ليشق طين التربة المرتوية بالمطر ليخرج غضاً طرياً ليطلق عليه أبو (اتنين)، وتستمر التسمية في الأيام الأولى بعدد أوراق نبتة السمسم بمتوالية زوجية: أبو أربعة أو ستة أو تمانية إلى أن يصل مرحلة أبو ضراع، وبعدها يتشابى في التعالي لتتمايل السمسمة بزهورها البيضاء دونما أن يقطع زهرها و(نوارها) حفيف الريح منها شيء .
سمسم كما القطية
ومزاج المزارعين في الولاية الزراعية الأولى في شغفهم بـ (القطية) السكن المفضل للكثيرين على ما يبدو ينسجم مع حبهم لنقل مسميات ذات السكن القطاطي لنعت عملية تجفيف السمسم بعد قطعه وتعريضه بطرق أشبه ما تكون بالبيوت المتراصة والمتفرقة.
ويظهر ذلك جلياً في فترة اكتمال نضج السمسم وتعرف الزراع له من اصفراره، حينما تغشاه برفق (مناجل) العمال لتحيله إلى اصطفاف يشبه القطاطي ويسمى كما القطاطي التي يقطنها الأهالي في الولاية بمسميات من شاكلة: لقبضة اليد و(كوليقة) والأربع منها بـ(التكل)، وهو القطية الصغيرة، وأما (الحلة)، فهي مجموعة من شجيرات السمسم مجتمعة أقرب إلى الحلة معنىً من اجتماع عدد من قطاطي (التكل) الممتلئ بالسمسم الناضج من غير أن يسكنها بشر طبعاً.
هرم السمسم
وتبلغ فترة نضج السمسم لمدة 15-20 يوماً للجفاف بعد الحصاد، فهي كافية لنضج السمسم المتعرض للشمس، ويساعد وضعه منتصباً في شكل هرمي في جفاف البذرة تماما، التي تجتمع في وعاءات مستطيلة يطلق عليها (لالوبة).
اليوم التالي
خ.ي