* أفضل ما سمعته وقرأته في الآونة الأخيرة هو تصريحات السفير علي الصادق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التي قال فيها إن السودان لن يعير اهتماماً لأي قرار من المحكمة الجنائية الدولية، ولن يتعاون معها، ولن يفكر في تسليم الرئيس، و (إننا سنكون مشغولين جداً بالقضايا الداخلية وسوف ننسى أمر المحكمة الجنائية الدولية)!
* هذا بالضبط ما يجب ان يحدث، ان ينشغل السودان في أموره الداخلية، وعلى رأسها السعي بجدية لإنهاء أزمة دارفور، سواء باجتهادات داخلية تستصحب الإرث السوداني الضخم في معالجة الأزمات، أو الاستعانة بالأصدقاء الأفارقة مثل دولة جنوب أفريقيا، أو العرب مثل دولة قطر لحل المشكلة، خاصة وقد لاحت في الأفق بوادر اعتدال في مواقف الحركات المتمردة، وأبدت استعداداها للجلوس على مائدة التفاوض والحوار!
* صحيح ان صدور قرار ضد الرئيس البشير قد يغري حركات التمرد على الاستمرار في مواقفها المتصلبة، بل ربما يعطيها الدفاع لتصعيد نشاطها العسكري واستهداف المدن، كما صرح بعض قادتها، ولكن عليها ان تدرك ان صدور قرار ضد الرئيس البشير، لا يعني بأي حال من الاحوال انهاء أزمة دارفور، ووضع حد لمعاناة أهلها التي استطالت، بل على العكس تماماً، فإنه سيخلق وضعاً متوتراً يؤثر سلباً على استتباب الأمن والاستقرار وتقديم المساعدات الانسانية للمواطنين، وعمليات العودة الطوعية للنازحين واستقرارهم في قراهم، وفتح المدارس، وتوفير البيئة للحياة الطبيعية، فهل هذا ما تريده حركات التمرد، أو يريده أي انسان عاقل؟!
* لا أعتقد ان حركات التمرد يفيدها ويسعدها ان تزداد الحالة سوءاً في الاقليم الذي يكتوي بنيران الحرب منذ ست سنوات، كما انها لن تتمكن من إنهاء الحرب لصالحها، وبالتالي فإن الخيار الأقرب الى الحكمة والعقل، هو التفاوض لوضع حد للأزمة بجميع جوانبها بما في ذلك القرار (1593) الذي أحال ملف دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية!
* وعليها، وعلى أي شخص آخر ان يدرك ان (المحكمة) لا تملك وسيلة لتنفيذ قرارها، وان مجلس الأمن لن يتمكن من فعل شئ بسبب معارضة الصين وروسيا ودول أخرى، والمجتمع الدولي لن يكون بمقدوره ان يفرض علينا (المحكمة الجنائية الدولية) لو جلسنا على مائدة التفاوض والحوار ووصلنا الى حلول جذرية من بينها اغلاق ملفات جرائم دارفور بالصيغة التي نقبلها ونرتضيها جميعاً!
* البعض يتحدث عن انقلاب عسكري، ولكنه حديث عاطفي أو أمنيات طيبة، لا مجال لتحقيقها على أرض الواقع، وحتى لو حدثت فهي لن تؤدي إلا الى المزيد من التعقيدات وتعميق الجراح، في وطن أنهكته الجراح، ويتطلع شعبه الى الاستقرار والسلام والديمقراطية.
* يجب ان نفهم ان حل الأزمة وتحقيق الاستقرار والسلام في دارفور وفي السودان ليس بيد أوكامبو والمحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن، كما ان اجهاض قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس بالتشنج والتشدد والتضييق وشق الصف الداخلي، وانما بالحكمة والسعي الجاد والدؤوب للتفاوض والحوار مهما كانت العقبات والتحديات، ولابد من الاقتراب أكثر من المواطنين وتلبية أشواقهم في الحياة الكريمة والديمقراطية والكرامة الانسانية!
* سئل احد الدبلوماسيين الأجانب عن تصوره للسودان بعد صدور قرار المحكمة، فأجاب بأن كل شئ ممكن، وهو يقصد حدوث الفوضى والاضطراب، ولكنني أقول بأن كل شئ ممكن باعتبار ان تحقيق السلام والاستقرار وانهاء أزمة دارفور، وإجهاض قرارات المحكمة الدولية ليس أمراً مستحيلاً .. إذا أردنا نحن له ذلك!.
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1164 2009-02-8