تخيل أن جدتك أو والدتك ذات (الستين) أو(السبعين) خريفاً تضع بنطالاً رياضياً وتقود دراجة هوائية في شوارع الخرطوم . .!!
في “برلين” ومن قبل رأيتهم في “أمستردام” و”لاهاي” بهولندا، ما يزال مئات الآلاف من المواطنين يستخدمون (العجلات) كوسيلة مواصلات ورياضة في آن واحد.
في بلد الفارهات (المرسيدس) و(البي ام دبليو) لا يتخلى الألماني عن دراجته الهوائية!! والمشرف على رسالة الدكتوراة للأستاذ “هجو علي هجو” المبعوث من كلية الجيولوجيا بجامعة النيلين(نال الدكتوراه الأسبوع الماضي)، يأتي للجامعة، هذا الخواجة العالم، مبكراً ممتطياً عجلته بكل خفة ورشاقة، رغم أنه قد تجاوز (الستين)، تاركاً في البيت سيارته التي يبلغ سعرها ما يفوق (المليار ونصف المليار) جنيه سوداني!!
السيدات والآنسات هنا يسابقن التكاسي في الطرقات . . ويبدو مدهشاً أن تصادف سيدة تقود دراجة، بينما تضع على صدرها طفلاً عمره بضعة أشهر مربوطاً على حمالة!!
الخواجات يعملون كادحين في تطبيق شعار (تؤخذ الدنيا غلابا)، لا وقت هنا للقطيعة والثرثرة ولا وقت للشقراوات ليضعنه عند (الحنانات) و(المشاطات) ومحلات الحمام المغربي . . الوقت هنا للعمل أو للقراءة، أما الحب فوقته في (الويك اند) نهاية الأسبوع!!
الناس هنا تشقى لتعيش، المواطنون أهل البلد والمهاجرون . .العلاج مجاناً والتعليم والمواصلات سهلة مابين (المترو) والبصات، ولكن بنهاية الشهر، لا أحد يوفر (خمسين يورو)!! (اللبناني) العجوز الذي تعرفت عليه في أحد مقاهي “برلين”، لم يعمل في ألمانيا لأكثر من ثلاثين عاماً يوماً واحداً !! ينتظر فقط إعانة الحكومة الشهرية (ثلاثمائة يورو)، قال إنه ينفقها على (السجائر)، يسكن مجاناً، ولكنه غير سعيد بحياته هنا بعد ثلاثة عقود، قال لي (نحنا هنا مثل الحيوانات، لا جيوب عندنا . . لا مصاريف، نأكل، نشرب وننام ) !!
ليس هناك مجال للدخول في (صندوق) أو (ختة)، وقد تكون قروش (الصرفة) في السودان مدخورة لغرض ضروري يتعلق بصحة أو تعليم، وقد تكون لشراء كماليات و(بنابر) و(طقاطيق)، حيث لا تفكير عند هؤلاء الغربيين في غير الأساسيات، لا أحد منهم يفكر غالباً في بناء طابقين أو ثلاثة، واقتناء شقتين أو تلاتة مابين الخرطوم والقاهرة ودبي، هؤلاء لا ينظرون للدنيا بمنظار العقارات وجني الثروات والذهب بعشرات الجرامات وكنز المليارات في البنوك.
إنهم يعيشون حياتهم بمتعة ورضا ودون قلق، وإذا توتروا فخرجت فتاة من أزمة عاطفية تجدها تطالع باستغراق كتاباً من (خمسمائة) صفحة في المترو أو البص غير آبهة بالذي يجلس جوارها، إنسياً كان أو جنياً.
ما يزال شبابهم يلتهمون الكتب بإدمان، بينما شبابنا يستغرقهم (الفيس بوك) ويقتاتون على ثقافة (النت) القشرية!! ويتداولون الشائعات على (الواتس آب) بعبث!!
لا يوجد محل (عجلاتي) اليوم في الخرطوم ..قلة من المحلات في أطراف العاصمة ربما بقيت صامدة ولا أدري ماذا فعل الله بعجلات “عطبرة”.
ولو أن قريبي “فريد الحاج – أبو زعبوط” أحد أقدم (عجلاتية) أم درمان القديمة وصاحب المحل المعروف بحي(القلعة)، جاء إلى “برلين” لكسب الكثير من فئة (اليورو)، فالسودانيون قد تنعموا وفارقوا العجلات، بينما (أسياد العالم) ما يزالون يستمتعون بالقيام (سداري)!!
المجهر السياسي
خ.ي