الطيب عبد الله في حوار استثنائي قبيل مغادرته البلاد.. صوتي (اختفى) عندما جئت للسودان!

[JUSTIFY]هذا هو (….) سر زواجي الأخير.. و(الفوضى) هي سبب مغادرتي البلاد!
الفنان الطيب عبدالله من أبناء مدينة شندي نشأ وترعرع فيها في الأربعينيات، وأكمل فيها كل مراحله الدراسية حتى تخرّجه من كلية التربية، إلا أنه لم يواصل، لأن حبه للغناء طغى على مهنة التدريس، جاء ظهوره في وقت كانت تضج في الساحة الفنية بعمالقة الغناء، أمثال الفنان عثمان حسين ومحمد وردي وسيد خليفة وصلاح مصطفى والعاقب محمد حسن وأحمد الجابري وحمد الريح وعبد العزيز المبارك وآخرين، صاحب قلب نقي يحمل مكونات الإبداع الحقيقي من شفافية ورهافة حس وصدق أداء، عرف عبر أغنياته التي قدمها من عصارة تجاربه لتأتي صادقة وجميلة لا تبحث عن ثوب جميل لتظهرها، وعطّر الساحة الفنية لسنوات طويلة بأجمل الأغنيات ومن ثم أبعدته ظروف الحياة ليشد رحاله إلى المملكة العربية السعودية التي قضى فيها سنوات طويلة، قبل أن يعود لأرض الوطن وهو يبحث عن بقايا نص تغنّى به وهو: (الغريب عن وطنو مهما طال غيابو مصيرو يرجع تاني لي أهلو وصحابو).. وبالفعل عاد إلى وطنه بين أهله وصحابه ولكن بعد العودة هل وجد الوطن والأهل كما كان يتمنى؟ أم أن الخيبة أصابته ليكون هناك قرار آخر قاسٍ عليه وعلى أحبابه.. (فلاشات) جلست مع الطيب عبد الله وخرجت بالحصيلة التالية:
*هل صحيح ما يتردد عن هجرتك مرة أخرى؟
نعم.. أنا جئت إلى السودان وأنا أحمل أشواقي وأمنياتي بوطن جميل وجمهور عزيز على قلبي ابتعدت عنه طويلاً، ولكن خابت التوقعات فقد جئت ولم أجد التقييم المناسب، لذا قررت السفر إلى أمريكا، إلى مكان آخر يقيّم فني لأنه لا يوجد شخص يخرج من وطنه كارهاً له، ولكن لظروف مختلفة وللاحتياجات الملحة والإحساس بأننا نعيش في أمان.
*إذاً، أصبح الفن لا يفي باحتياجاتك؟
هذا صحيح.. فموجة الغلاء في السودان طاحنة، ولكي أوفر هذه الاحتياجات كان لا بد من أن أخرج من الوطن كمطرب لم يستطع أن يستفيد من فنه كفنان وضع بصمته في الساحة الفنية وتاريخه الطويل.
*برأيك، ما يقدمه الفنانون الشباب الآن.. هل هو دون مستوى الطموح؟
بالنسبة لنا، كفنانين، قدمنا عصارة مشاعرنا في صدق تام لجمهورنا، لكن الذي يحدث الآن يختلف تماما عما قدمناه في السابق، و كنت أتمنى أن تكون هناك جهات مسؤولة للمحافظة على ما قدمناها لكن للأسف وجدنا كما هائلا من الشباب تركوا مقاعد الدراسة ليصبحوا فنانين بـ(صورة همجية) على الرغم من أنني لا أرى لهذا الإبداع انعاكساً في حياة الناس بقدر ما أرى كما هائلا من الفوضى.
*إذاً، هناك عدم اهتمام من أجهزة الإعلام؟
أنا قدمت أعمالا لا زالت في قلوب الناس ومشاعرها والملاحظ أن أجهزة الإعلام ترى الفرد منا (كأنما يتسول) إذا أراد تقديم سهرة، ولا يوجد أي نوع من الاهتمام ولا يوجد تقييم للمبدع الحقيقي، نحن بتنا مكتفين بمجموعة من الأولاد الصغار وما يقدمونه من إنتاج بأعمالنا الخاصة، فهي حالة فوضى لا تحدث إلا في السودان.
*ماذا استفدت من الغربة حتى تقرر تكرارها للمرة الثانية؟
استفدت كثيراً من الغربة، ولكنها ليست استفادة مادية ولا يوجد أجمل من الوطن، والغربة في حد ذاتها مؤلمة وأشبه بزهرة زرعت في غير مكانها، والغربة من بلد لبلد تختلف وتحديدا أمريكا المجال فيها واسع للالتقاء بعدد هائل من السودانيين وتوفير كل وسائل الراحة، قد تكون جافة ولكن بها إنصافا وعدلا ونوعا من الأمان، هذا لأن الدول التي تهتم بالإنسان هي التي تفكر بالمواطن قبل أن تفكر في راحة نفسها، وبكل أسف نحن هنا ليس لدينا هذا الإحساس.
*جئت ووجدت أراضيك في الساحة الفنية غير متوفرة.. ألا يمكن أن يكون هذا السبب الحقيقي لعودتك للهجرة؟
أنا قدمت أجمل ما لدي حتى أصبح خالدا في نفوس الناس، وعندما أتيت أقاموا لي احتفالات كبيرة على المستوى الشعبي أما على المستوى الرسمي فلا يوجد، وكرمتني شندي على مستوى رفيع جدا وهذا دلالة على أن الطيب عبد الله في قلوب الناس، وهذا لا يجعلني أتنكر لمعتمد محلية شندي الأخ حسن عمر الحويج الذي تبنى الموضوع في موقف لا أنساه له وكنت أتمنى أن يقف المعنيون بالأمر ذات الوقفة، وإذا فقدت أراضيّ كما قلتِ فأنا الآن لا أطمع في شيء بعد الطيب عبد الله ولا أبحث عن شهرة ولكن كنت أتمنى أن أكون داعما لشباب يمتلك الموهبة والأداء السليم وثقافة العلم والمعرفة.
*دعنا نتحدث عن نقطة أخرى تتعلق ببداياتك في الوسط الفني، حدثنا قليلاً عنها؟
كان هناك احتفال ضخم لتقديم العروض في المسرح القومي وطلعت المسرح وقدمت الأغاني التي بطرفي وكانت قد حققت نجاحا كبيرا وهي المرة الأولى التي أقابل جمهورا فيها بهذا الحجم على خشبة المسرح القومي، وبعد عدة أيام تم تقديم تلك الأغنيات في برنامج (ما يطلبه المستمعون) فأحسست بعدها بأن المسألة أصبحت رسمية وشعرت بالهم والمسؤولية، ومنها كانت بداية الانطلاقة وصنعت جمهوري ولم أتعرّض للجنة نصوص أو ألحان حتى هذا هذه اللحظة وظللت أغني وألحّن وكانت المنافسة وقتها رهيبة مع كبار الفنانين أمثال وردي وكابلي ومحمد الأمين وإبراهيم عوض (رحم الله أيام زمان).
*برأيك.. ما هي الأسباب التي أدت لتدني الذوق؟
ذوق الناس (فسد) والمسألة (جاطت) والسبب أنه حدث نوع من عدم المبالاة وتدني الذوق العام، والجميع أصبحوا مشغولين بلقمة العيش.
*بصراحة.. ما هو رأيك في اتحاد الفنانين؟
اتحاد الفنانين هو الآن (جثة على طاولة التشريح)، منذ أن جئت و حتى الآن لم أجد أي دور فعلي له في إيقاف هذا العبث الذي يحدث فكلها شعارات و(كلام شايلو الهواء) والجالسون على قمة القنوات الرسمية ما فارقة معاهم فهم يأتون بكل من (هب ودب).
*لكن أنتم كفنانين كبار ترفعون السعر للقنوات حتى يصعب الوصول إليكم؟
على العكس تماما، هم الذين لا يرغبون فينا لأننا لدينا شروطنا بتوفير المناخ الادبي والمادي وهذا ما لم نجده، فنحن أيضا لدينا ظروفنا واحتياجاتنا الكثيرة.
*رسوخ القديم.. لماذا؟
لأنه جاء مكتمل النمو، وإبداع الستينيات لا زال راسخا لأننا كنا أسرة واحدة، وما قدمته من عمل واحد يساوي عشرين عملا الآن، وأعمالي عندما أستمع إليها كأنني أسمعها للمرة الأولى.
*ما هو مدى الصدق الذي عشته فيما قدمته من أغنيات؟
كل الأعمال التي قدمتها كنت صادقاً وأميناً فيها، عندما أحبني الناس حاولت أن لا أخذلهم وربنا وفقني في (السنين) و(يا فتاتي) و(ليل الفرح) و(الأبيض ضميرك) وأعمالي لا يوجد فيها عمل هابط أو عمل انصرف الناس عنه.
*ردد الفنان الشاب معتز صباحي إحدى أغنياتك وهي (الأبيض ضميرك).. بصراحة ماهو رأيك في أدائه لها؟
قلتها من قبل، ليس من الضروري معرفة رأيي فيه، ولكن من الضروري معرفة رأي الجمهور.
*هل هذا يعني عدم رضاك عنه؟
أبدا.. صباحي فنان اجتهد، ولكل مجتهد نصيب.
*هل ستفك يوما ما الحظر عن أغنياتك ليرددها الشباب؟
إذا تغنوا بها مثلي ولو بنسبة 80 % سأطلق سراحها، لكن السؤال هو هل الناس ستقبل؟
*برأيك ما هو سبب عدم استمرارية الأصوات الغنائية النسائية في السودان؟
الشخص الموهوب لا تنتهي موهبته على الإطلاق، والوعي العلمي والموسيقي برسالة الفن أهم وضروري لرسوخه، ولكن الأغلبية منهن لايهتممن بالأمر.
*إذاً، ما هو رأيك في الفنانة ندى القلعة؟
اتحفّظ على الإجابة عن هذا السؤال.
*هل لديك أية ميول سياسية؟
ليست لدي أي ميول سياسية ولا أحبّذها.
*هناك من شاخات أصواتهم.. هل لا زال صوت الطيب عبد الله بخير؟
طبعا هذه المسائل تخضع للأداء والتمارين، إذا كان الفنان بحالة جيدة لا توجد إشكالية، أنا في السعودية لم تكن لدي أية مشاكل، ولكن النقلة للسودان أثرت في الحبال الصوتية كثيراً، حتى أنني فترة ما كنت لا أستطيع التحدث، وحتى الآن هناك بعض الحشجرة وكل هذا بفعل المناخ ولكني في تحسن مستمر.
*أغنية من أغنياتك تحس بأنها الأقرب إليك؟
أغنية (السنين)، هي بالنسبة لي رمز، وهي ميزت الطيب عبد الله وتحديدا مقطع: (الغريب عن وطنو مهما طال غيابو مصيرو يرجع تاني لأهلو وصحابو) لقد كانت ترجمة لإحساس كل إنسان مغترب.
*(يا فتاتي) تضمنت مضامين جميلة وهادفة كذلك؟
(يا فتاتي ما للهوى بلد) هي ترجمة أحاسيس ناس مقهورين بسبب التفرقة العنصرية أي (اللون) فهو أمر غير مقبول، فهي جاءت لتحارب هذا الأسلوب وأحبها جدا، فالحب لا يعرف لونا أو وطنا أو قبيلة.
*الفن ماذا أعطاك.. وماذا أخذ منك؟
الفن أعطاني حب الناس فأنا أتمتع بحب كبير أحمد الله عليه كثيراً، وهذا ينعكس عند ذهابي لأي مكان حيث أجد أن كل شخص يريد أن يخدمني والقبول من الله فقد قدمت أشياء خاطبت فيها وجدان الشعب السوداني بصدق كامل.
*متى طرق الحب بابك أول مرة؟
في مرحلة من العمر لا بد من الدخول في دائرة العشق ولكن الفرق بيني وبين كثيرين أنني أعبر بالصوت والكتابة وعلى الرغم من ذلك حرمني الحب من التي اختارها قلبي، ومن هنا يأتي الإحساس الصادق لأنه جاء عن تجربة، والإنسان كلما تقدم به العمر ينضج أكثر.
*نضج العمر وتقدم.. وها أنت تقع في شراك الحب من جديد لتتزوج مرة أخرى.. فسّر لنا هذا الأمر؟
-ضحك- لقد دق قلبي كثيراً و(ما وقف شغال طوالي)، لكن الإنسانة التي أحببتها في مرحلة كان عمري فيها تقريبا عشرين عاما، وتقدمت للزواج بها كان والدها وكيل وزارة الثقافة والإعلام، ووافق والدها على زواجي منها، لكن لسوء الحظ أعمامها رفضوا، وكان ذلك في الستينيات ولكن إلى العام 2012 لازالت داخل قلبي، وأراد الله أن تتزوج وتنجب الأبناء، وكذلك أنا تزوجت نعمات حماد وانفصلنا وتزوجت مرة أخرى وأنجبت الأبناء، لتشاء الأقدار أن تجمعنا مرة أخرى، وبعد وفاة زوجتي وهبت نفسي لتربية أبنائي وشاءت الظروف أن تنفصل هي عن زوجها، لنجتمع مرة أخرى ونتوج الحب القديم بالزواج لأنه لم ينتهِ، وهي التي كتبت فيها أغنية (يا غالية يا نبع الحنان).

حوار: محاسن أحمد .. صحيفة السوداني
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version