{ تقاطعات الإرادة
يبدو أن وزير الخارجية السوداني “علي كرتي” من رواد التيار الرافض لتوطيد العلاقة مع إيران، والدليل على ذلك أنه سبق وقال إنه كوزير خارجية ليس له علم بالبوارج الإيرانية التي وصلت في وقت مضى إلى ميناء بورتسودان وأثارت حفيظة السعودية، بينما تبنت مؤسسات عسكرية الرد والتبرير لهذه الخطوة آنذاك.. وبدت واضحة جداً المساعي التي يبذلها الوزير “كرتي” لإحداث انفراج في العلاقة بين بعض دول الخليج والسودان من جهة وبين السودان والسعودية من جهة أخرى، وقبل أقل من شهر زار “كرتي” السعودية لتنقية الأجواء والتباحث حول الملفات المختلف حولها وإنهاء حالة التأزم وفقاً لقول مصادر دبلوماسية عليمة، في حين أن المعلن أن زيارة “كرتي” إلى السعودية للمشاركة في نشاط لمنظمة دول المؤتمر الإسلامي هناك.. اجتهاد “كرتي” وما تبعه من قرار بإغلاق المراكز الثقافية في السودان يشير بوضوح إلى أن القرار له أبعاد سياسية أكثر من كونها مرتبطة بتهديد الأمن الثقافي والفكري، وربما استخدمت فقط الأخيرة كوسيلة مساعدة في إخراج القرار، وما يعضد هذا التوقع حديث أحد الدبلوماسيين عن أن القرار اتخذ لتقديرات سياسية بعد أن ظلت العلاقة مع إيران تدور في ملفات محدودة، ولم تتحرك على صعيد العون الاقتصادي.. كذلك ما يدل على أن تيار “كرتي” يتبنى القرار رده على تصريحات المسؤول الإيراني التي نقلتها وكالة أنباء فارس (الأربعاء) وأكد فيها أن سفارتي البلدين ويقصد السودان وإيران والمراكز الثقافية والاقتصادية تواصل نشاطاتها العادية في كلا البلدين، وقد يكون هذا هو السبب الذي دعا الخارجية إلى التأكيد بعدم تراجع حكومة السودان عن قرار إغلاق المراكز الإيرانية، كاشفاً في ذات الوقت عن رفض الحكومة السودانية طلباً من طهران للتراجع عن القرار حتى يقطع الطريق أمام أي شكوك أو تكهنات يمكن أن تنتاب السعودية أو دول الخليج.. الأمر الآخر، أن تمسك الحكومة بالقرار يدل على أن التيار الداعي إلى عدم تميز علاقة السودان مع إيران على حساب العلاقة مع السعودية هو من يقود دفة هذه العلاقة وليس التيار المناصر للعلاقة مع إيران.
{ لقاءات فوق العادة
عقب قرار إغلاق المركز الثقافي الإيراني التقى وزير الخارجية “علي كرتي” برئيس (جماعة أنصار السنّة المحمدية) الشيخ “إسماعيل عثمان” والأمين العام للجماعة “عبد الله التهامي”، هذه الجماعة التي تحظى بتقدير من المملكة السعودية، وسبق أن أبدت رأيها في موضوع تميز علاقة السودان بإيران في وقت لم يكن هناك استعداد لكابينة القيادة السودانية للاستماع، وهناك حديث عن زيارة “كرتي” للسعودية بعيداً عن الإعلام بعد لقائه أنصار السنّة المحمدية، ولم تتسن لنا معرفة طبيعة اللقاء الذي جمع “كرتي” بجماعة أنصار السنّة هل جاء في إطار مرافقة هذه الجماعة لـ”كرتي” حال طلب منها ذلك إلى السعودية؟ أم أنها في إطار طلب التوسط بين السعودية وحكومة السودان كما أبدت قبل ذلك هذه الجماعة استعدادها لذلك؟!
الوزير السابق “محمد أبو زيد” والمسؤول السياسي لجماعة أنصار السنّة أجاب عن هذه الأسئلة حينما قال لـ(المجهر) عبر اتصال هاتفي إن العلاقة مع إيران كانت سبباً في تعكير صفو علاقة السودان بالسعودية، وتمنى أن تقود خطوة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية إلى تسليك العلاقة بين السودان والسعودية، وفتح صفحة جديدة.. وحول إمكانية توسط جماعة أنصار السنّة لترميم العلاقة بين السودان والسعودية قال: (ظللنا نبحث عن هذا الأمر منذ فترة، لكن هذه النوايا كانت تحتاج إلى قرارات)، مضيفاً إن هذا القرار من شأنه أن يمهد الطريق لتحسين العلاقة.. “أبو زيد” لم ينس في حديثه معنا أن يؤكد المهددات الفكرية التي سببتها مراكز الإيرانيين من خلال نشر المذهب الشيعي.
{ احتمالات مفتوحة
قد يلاحظ المتابع أن الحكومة حينما أغلقت هذه المراكز استخدمت نفس اللغة التي كان يستخدمها أفراد جماعة أنصار السنّة المحمدية، وهي حديثهم عن أن المراكز بمثابة مهدد للفكر، ما يعني أن هناك صفقة ما تمت بين جماعة أنصار السنّة والحكومة وهي أن تغلق الحكومة مراكز الإيرانيين الثقافية مقابل توسط الجماعة بين الحكومة والسعوديين كشرط يدفع مبادرة الجماعة إلى الأمام، وليس مستبعداً أن يكون لقاء “كرتي” برئيس الجماعة وأمينها العام تم بغرض التنسيق للخطوة القادمة، وأصبح واضحاً أن تصريحات الوزير الإيراني التي أشار فيها إلى أن هناك تيارات في السودان تحاول التأثير على العلاقة بين السودان وإيران، كان يعني بها جماعة أنصار السنّة المحمدية المقربة من السعودية على المستويين الرسمي والشعبي.
لكن رئيس جماعة أنصار السنّة المحمدية شيخ “إسماعيل عثمان” قال لـ(المجهر) إن الزيارة جاءت بمبادرة من الجماعة لتقديم التهنئة والإشادة بخطوة وزير الخارجية، باعتبار أن القرار صدر من وزارته، مشيراً إلى اهتمام جماعته بموضوع تصحيح العقيدة والمحافظة عليها، مؤكداً أنهم ظلوا يتحدثون كثيراً عن الفكر الشيعي لكونه مهدداً للفكر من خلال ما يقدم من أنشطة تقوم بها المراكز الإيرانية. وأبدى “إسماعيل” استعداد الجماعة للقيام بأي عمل يمكن أن يحسّن العلاقة مع السعودية إذا طلب منهم ذلك، وتوقع رئيس الجماعة أن تؤدي خطوة إغلاق المراكز الإيرانية إلى تحسين العلاقة مع السعودية.
فاطمة مبارك: صحيفة المجهر السياسي
ي.ع