في إحدى مقاطعات إنجلترا أفاد استطلاع للرأي شمل ألف طفل ما بين الثامنة والثانية عشرة، أن 6% منهم لا يعرفون ان المادة التي يصنع منها البيرغر (اللحم) مصدرها الحيوانات، وقال بعضهم ان الأبقار تبيض، وعندما كنت في نحو الخامسة والعشرين ذهبت الى لندن للدراسة، وعشت أياما عديدة أعاني من الجوع لأنني كنت أتفادى تناول أي نوع من اللحوم خشية ان يكون مصدره الخنزير.. خذ في الاعتبار أنني من «أكلة اللحوم» بحكم أنني أفريقي، (ولا داعي لسوء الظن المتوارث عن كون الأفارقة أكلة لحوم البشر، بل أعني أن اللحوم عنصر أساسي في المائدة الأفريقية كما هي على المائدة العربية).. عشت على البيض والكورن فليكس لنحو 3 أسابيع.. كانت تلك أول مرة أتعاطى فيها الكورن فليكس وبالتالي كان تعاطيه بالنسبة لي قفزة حضارية… ولكن زميلا لي «خبيثا» قال لي ان خنازير بريطانيا تبيض، فصدقت كلامه وقاطعت البيض خاصة وان البيض في بريطانيا كان ضعف حجم البيض الذي كان متداولا في السوق السودانية، ومن ثم صار الكورن فليكس إفطاري وغدائي وعشائي.. ثم فُرجت واكتشفت دجاج كنتاكي فكانت قصة حب من أول قضمة.. ولاحقا وجدت الفول الجاف معروضا في محل لبيع علف الخيل واشتريت منه كميات تجارية واسترددت لياقتي البدنية وعافيتي، فالسوداني إذا لم يأكل الفول شهرا كاملا يصاب بالأرق والباسور والناسور والشلل الرعاش والتهاب المسالك البولية (لعل بعضكم يذكر ما كتبته هنا عن البروفسر السوداني الطبيب مصطفى عبدالله محمد صالح الذي اكتشف ان السودانيين والمصريين أقل أهل الأرض تعرضا للإصابة بالصرع لأنهم يدمنون الفول لأن في الفول مادة تمنع الإصابة بذلك المرض وغيره من أمراض الجهاز العصبي).
يعتقد جيل العواجيز ان جيل الشباب المعاصر جاهل وسطحي، لأن منهم من يحسب ان الخديوي اسماعيل هو شيخ الطريقة الإسماعيلية، وأن نلسون مانديلا مطرب أمريكي يدمن المخدرات، أو أن دار فور هو اسم قصر على نهر الفرات بناه ابو جعفر المنصور قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 بعدة أشهر، واسمه الأصلي دار الفرات ولكن الأمريكان جعلوه دارفور جريا وراء عادتهم في العبث بالناس والأسماء والأرواح والأمكنة.. نعم جيلنا كان يعرف نهرو وتيتو وأن بنغلاديش كانت حتى أوائل سبعينات القرن الماضي تسمى باكستان الشرقية.. سو وات؟ نصف أبناء وبنات جيلنا يصيحون: يا ولد/يا بنت.. تعالوا شوف موبايلي ليش يصيح.. يا حمودي شوف قناة إم بي سي وين راحت.. فطومة شوفي الكمبيوتر ليش ما يشتغل (الكهرباء غير موصلة يا بابا).. بعبارة أخرى مقاييس المعرفة تغيرت، والأمي في عالمنا المعاصر هو من لا يحسن التعامل مع التكنولوجيا، وفي جيل الشباب حتى «عبيط الحي» يعرف كيف يتعامل مع نوكيا وغالاكسي والآيفون ومايكروسوفت.. طبعا لا شك في ان الجيل «الجديد» يعاني من سوء التحصيل الأكاديمي ولا يجيد القراءة والكتابة كجيل الآباء والأمهات، ولكن جيل الكبار هو من وضع المناهج المدرسية السطحية الركيكة وتولى توصيلها وتدريسها و«توريثها»، وعلى سبيل المثال فإن جيل الكبار كان في مرحلة الشباب إذا أراد معلومة قام وقعد وفتح كذا كتاب ليعثر على المعلومة، في حين ان جيل الشباب المعاصر يحصل على أطنان من المعلومات خلال ثوان بعد التشاور مع الآنسة غوغل والسيد ويكيبيديا، ولعل سهولة الحصول على المعلومات هو الذي جعل شباب اليوم عازفا عن القراءة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]