“حرب الموانئ” هل تريد الحكومة استرضاء الرياض بإغلاق المركز الثقافي الإيراني؟ نعم.. لكن ربما سلكت طريقاً خاطئاً للهدف الصحيح

[JUSTIFY]في ديسمبر 2012 عندما كانت المنطقة ملتهبة من تداعيات استقبال الساحل السوداني للمرة الأولى سفنا حربية إيرانية، حررت السلطات السودانية فرمانا بإغلاق منتدى السرد والنقد الذي ينظم جائزة سنوية باسم الزعيم الإيراني آية الله الخميني، ومع ذلك لم يكن موفقا أن يربط أحدهم بين الخطوتين كموازنة للعلاقة بين الخليجين الفارسي والعربي، تماما كما جاء قرار السلطات أمس الأول بإغلاق المركز الثقافي الإيراني وإمهال موظفيه 72 ساعة لمغادرة البلاد والذي أبعد ما يكون عن توتر العلاقة مع الخليج وإن بدا في ظاهره أقرب الاحتمالات والأسباب.

فإغلاق منتدى السرد يومها لم يكن قرارا خصه دون غيره إذا تزامن مع حملة شنتها السلطات ضد منظمات مجتمع مدني أغلقت بذريعة الحصول على دعم أجنبي لإسقاط النظام. لذا لم يكن ثمة شاهد يشير إلى أن قرار الإغلاق الذي سبقه استدعاء جهاز الأمن لرئيسته زينب بليل واستفسارها عن علاقة المنتدى بالمستشارية الثقافية الإيرانية، لم يكن ثمة شاهد على أنه محاولة لاسترضاء السعودية الغاضبة من رسو سفن حربية على بعد 250 كيلومترا فقط من ساحلها.

ويمكن التأريخ لتوتر العلاقة بين الخرطوم والرياض بشكل أكثر وضوحا في أكتوبر 2012 عندما استقبلت البحرية السودانية سفنا إيرانية، ورغم أن أيا من المسؤولين السعوديين لم يعلق على الأمر، إلا أن صحف الرياض تولت إظهار الامتعاض الرسمي من الخطوة بوصفها دليلا على وجود حلف عسكري مع خصمها العنيد طهران.

يومها كانت الخرطوم تريد من استقبال السفن إرسال إشارة إلى تل أبيب بعيد قصفها لمجمع اليرموك أن ظهرها غير مكشوف، لكن الرسالة وصلت عن طريق الخطأ ولسوء تقدير إلى الرياض، وهذا يمكن استشفافه من قول وزير الخارجية علي كرتي بعد أيام من وصول السفن إن “دول الخليج تنظر بعين الريبة إلى علاقتنا مع إيران” ولم تكن هذه إفادته المهمة بل كانت كشفه للمرة الأولى عن “انقسام بين القادة الحكوميين حيال العلاقة مع طهران بوصفها مهددا للعلاقة مع الخليج”.

وبالطبع لم يغفل كرتي توضيح مع أي فريق يقف بكشفه للمرة الأولى أيضا عن أن القيادة العليا قبلت توصية من وزارته بعدم استقبال سفن إيرانية كان مقررا لها أن ترسو في فبراير 2012 لكنه أبدى جهله للأسباب التي جعلتها تقبل ذلك في أكتوبر.

لهذا كان موجعا لكرتي والفريق الرافض للتقارب مع إيران، والتي لا تقارن منافعها الاقتصادية للسودان مع منافع الرياض، أن تستقبل الخرطوم مجددا سفنا إيرانية في ديسمبر أي بعد أسابيع فقط وكان موجعا أيضا للرياض. ولهذا يمكن فهم لماذا استقبلت الخرطوم سفنا تابعة للبحرية السعودية وأجرت معها تدريبات مشتركة هي الأولى من نوعها في فبراير 2013 استمرت نحو أسبوع. ببساطة نجح فريق كرتي في إقناع الحكومة بموازنة العلاقة بين الخصمين لكن هل نجحت في ذلك فعلا؟.

لا أحد يعتقد ذلك، فبعدها استقبلت الخرطوم مجددا سفنا إيرانية في سبتمبر 2013 وأخرى في مايو الماضي، وفي المسافة الفاصلة بينهما توترت العلاقة أكثر وأوقفت الرياض تعاملاتها مع البنوك السودانية حيث كانت الرئة المصرفية الرئيسة بسبب العقوبات الأمريكية وقلصت نسبة استيرادها من المواشي السودانية التي باتت عائداتها بعد انفصال الجنوب من أهم إيرادات الخزينة العامة.

لكن الأهم هو زيادة معدل توتر العلاقة بالتعقيدات التي خلفتها المواجهة المعلنة للمملكة مع كل ما له صلة بجماعة الإخوان المسلمين وعلى رأسها الراعي الأكبر الدوحة وبالضرورة الخرطوم المحسوبة عليها حتى وإن “أعلنت غير ذلك” كما يقول الصادق المهدي.

وبالضرورة فإن المواجهة مع الإخوان تمثل أولوية الآن للرياض مقارنة مع مواجهتها القديمة مع طهران، وهذه نتيجة يمكن تبينها بعد دقائق من الاستماع لأول نشرة أخبار في فضائية العربية، ما يعني أن أي خطوة لتحسين العلاقة المتوترة مع الرياض يجب أن تأتي على حساب قطر وليس إيران.

ومع ذلك لا يمكن اختزال الخطوة في أنها التفاتة متأخرة من الحكومة السنية إلى التمدد الشيعي في بلادها ولأسباب مذهبية فقط، كما يشير بيان الخارجية الذي نشرته تعليقا على الحدث ورأت فيه أن المركز الإيراني بات “يشكل تهديدا للأمن الفكري والأمن الاجتماعي”.

وبالتأكيد لا يمكن قراءة البيان المقتضب بسطوره السبعة الموزعة على فقرتين فقط بعيدا عن موقف وزير الخارجية المعلن والرافض للتقارب مع طهران على حساب الخليج، وبالتأكيد لا يمكن التقليل من وزن ونفوذ الرجل في وضع السياسات الخارجية للبلاد لكن أيضا لا يمكن القول إن القرار متفق عليه في دوائر اتخاذ القرار ومجمع على أسبابه وهي استرضاء الرياض.

فالقرار في أحسن الأحوال هو وسيلة خاطئة لهدف صحيح طالما أنه لا يوجد الآن ما يشغل الرياض عن الدوحة، الداعم الأكبر للخرطوم.

اليوم التالي
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version