تتعرض المرأة السودانية لهجمة شرسة هذه الأيام، فـ (بعض العلماء) يصدرون فتوى تبيح (زواج المسيار) الذي يحرم الزوجة من النفقة وبيت الزوجية والميراث.. (فماذا بقى لها؟!)، والمادة (13) من قانون الطفل التي تمنع (الخفاض) وتشويه الإناث، تلغى من القانون، لتظل النساء، خاصة الصغيرات، خاضعات لهذا الارهاب الجسدي والنفسي، الذي ورثته قلة من المجتمعات، ومنها مجتمعنا السوداني، من مجتمعات ظهرت قبل الإسلام بعشرات القرون.. ولا يوجد دليل قاطع يربط بينه وبين الدين الحنيف، من وجهة نظر معظم العلماء الذين يعتد بهم، من حيث خلو المجتمعات التي نزل فيها الإسلام بادئ ذي بدء من هذه الممارسة البشعة.. والجريمة الخطيرة!
* وبرغم إيماني القاطع بأن مثل هذه العادات السيئة المتوارثة، والمتجذرة في المجتمعات، لا يمكن علاجها بإصدار القوانين فقط، إلا ان (وجود) القوانين المانعة والحامية، وإن لم تكن قابلة للتطبيق، يبقي الجدل قائماً ومستمراً حول القضية (موضوع القانون)، ويرفع درجة الوعي بها ويقود في النهاية لإزالة الممارسات الضارة، وانتشار السلوك الطبيعي بشكل تلقائي، وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك والتردد، الضرر الفادح لختان الإناث من جميع الجوانب، مما يستوجب التعامل معه انطلاقاً من القاعدة الفقهية الراسخة (لا ضرر ولا ضرار).. فلماذا نجهد أنفسنا في البحث عن (أدلة) ليست مكان اجماع من الفقهاء، لإسباغ المشروعية على ممارسة ثبت ضررها، بل أضرارها الفادحة؟!
* نفس الشئ ينطبق على (زواج المسيار) الذي يحرم الزوجة من كافة حقوقها، وعلى رأسها (السكون) الذي يقود الى الاطئمنان والاستقرار وتكوين الأسرة السعيدة، وهو الهدف الاساسي من الزواج، وقد نص على ذلك القرآن الكريم في أكثر من موقع، وكمثال على ذلك الآية الكريمة (وخلقنا لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعلنا بينكم مودة ورحمة) صدق الله العظيم.. فما هو السكون غير الاطمئنان والاستقرار وتكوين الأسرة الطيبة، وكيف يتحقق، ومن أين تتنزل المودة والرحمة على زوجين متباعدين لا يجتمعان إلا للحظات أو ساعات، ولا يدري أحد أين يجتمعان؟!
* وفوق ذلك، فإن هذا (المسيار) يحرم الزوجة حتى لو كان ذلك بموافقتها من النفقة والميراث، فأي ضرر أفدح من هذا، وأي إهدار لحقوق المرأة التي أكرمها بها الله، وجعلها (وثيقة تأمين) لها من عاديات الزمان، وظلم الرجال الذي لم ينقطع من العصور الحجرية وحتى الآن؟
* والراجح ان تأتي موافقة المرأة بغير رضاها (موافقة إذعان)، خاصة في مجتمعاتنا الذكورية التي تفرض هيمنتها المطلقة على النساء، وتنتشر فيها الأمية والتخلف والفقر، مما يضع المرأة تحت (ظروف ضاغطة) ترغمها على تقديم التنازلات، الأمر الذي يفرض على الدولة ان تتدخل لحمايتها بسن التشريعات المناسبة، وليس العكس بإباحة (زواج) يرغمها على تقديم المزيد من التنازلات!
* ومن المؤسف جداً والمحزن ان الذين أفتوا بصحة (المسيار) والذين هللوا له، تعمدوا الخلط بين أهداف وشروط الزواج، ليعطوه المشروعية المطلوبة، فتحدثوا عن (شهود وإعلان) لإثبات صحة الزواج، وتجاهلوا تماماً أهداف الزواج الصحيح، وكأن الهدف من الزواج هو وجود الشهود والإعلان، وليس الاستقرار والاطمئنان وتكوين الأسرة.. و(السترة) وحماية المجتمع من الانحراف!
* إن كان هنالك ما يقال عن أهداف هذا (المسيار) فهو إتاحة الفرصة للبعض.. (لإشباع رغباتهم) تحت ستار الشرعية، بعيداً عن اخلاق وقيم المجتمع، ومساءلة القانون، فهل هذا هو الزواج؟!
* أخشى ان تنتشر في مجتمعاتنا بيوت مثل التي كان تنتشر في أزمان سابقة، ويكتب عليها من الخارج (منزل أحرار) لتحمي أنفسها من المتطفلين وحملات البوليس، ولكن بدلاً عن ذلك يكتب عليها (منزل مسيار).. لتدرأ عن سكانها شبهة (الزنا)، فهل ذلك هو ما نتطلع إليه؟!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1163 2009-02-7