> بعض الأخبار تربكه و تغض مضجعه لذلك فهو إما أن يتجاهلها أو يتعامل معها أيضاً بعد إدخالها إلى معمله الخاص و إعادة تصنيعها حتى لا تزعجه و لا تعترض مسيرته النضالية . خاصةً تلك المتعلقة بشركاء النضال من المتمردين ، فمعياره الصارم للمحاسبة و التقييم يتم تعطيله في هذه الحالة ، و يتم الإنتقال من حالة التجريم بالجملة و تصنيع القضايا و المظالم و إثبات أن الإيجابيات ليست كما تبدو إلى حالة مناقضة تماماً إذ تتعطل لديه ملكة التقييم و يدخل الضمير الصاحي في نومة طويلة . و الحساس الذي يجرح شعوره شبهة تصريح أو حدث يصبح في لحظة في حالة أخرى من تبلُّد الإحساس و تقبُّل الطوام بأريحية و تسويقها لتصب في صالح مسيرته النضالية .
> لا يعاف خبراً ، لا يذم وسيلةً ، لا يكره تصريحاً .مهما كانت مناقضة لقناعاته التي يدعيها فهو في حالة ثورية هتافية عالية النبرة لا صوت لديه يعلو على صوتها ، فإنعدام الثورة في الواقع يستعيض عنه بثورة خاصة يغيب فيها المنطق و الإنصاف و التحوط ، فهو مندفع متحمِّس يعيش عالماً خاصاً به ، و تبقى المهمة أمامه في يومه النضالي هي التفنن في سلق البوستات و تصنيع القضايا بعد أن إستهلك معظمها في مسيرته النضالية و لذلك يطير فرحاً إن إكتشف مادةً تصلح لملء فراغات القضايا ، و الفراغ لا يأتي حقيقةً من إنعدام الأخطاء لدى خصومه فهي موجودة و توفر مادة خام تصلح لأغراضه إن أحسن التعامل معها ، بل يأتي من طريقة تعامله معها فهو لا يتعمق و لا يحلل و كثيراً ما يتحاوز المُثبت إلى المُدَّعى لمجرد أن الأخير أكثر جاذبية .
> في غياب الإنتصارات الفعلية يستعيض بالإنتصارات اللفظية و المعارك الكلامية و يعيد إنتاج ما يدعي رفضه ، فهو إقصائي شمولي متزمت منتقم تجاه الخصم ،قطيعي مع جماعته فلا يقول لا لنهج أو فعل أو خطة أو تصريح حتى إن كان في ذلك خدمةً لنضاله ، إذ يرى في ذلك – واهماً – خدمة للعدو ، و إنكساراً آنياً لا يستسيغه في غمرة إنتصاراته اللفظية .
> الصورة التي يرسمها بنفسه لنفسه هي صورة شخص عدواني شرير يحب أن تشيع الشرور و لا يخفي طربه لشبهة أو شائعة تلوث شخصاً كان يغيظه بسلامته منها ، فهو لا يتحوَّط بل ما يكاد يلم بطرف رواية عن شخص أياً كان الراوي و أياً كان غرضه ، إلا و يطير بها و ينشرها على أوسع نطاق و يضيف لها من عنده متبلات و مقبلات لتكون مستساغة و يظل مدافعاً عنها بأكثر مما يفعل صاحب الرواية ، و إن جاء ما يثبت يقيناً عدم صحتها فلا يعنيه ذلك كثيراً إذ يكفيه أن الرواية قد أدت غرضها و أن معظم من سمع بها لم يسمعوا بما ينفيها و أن بعضهم حتى لو سمع بالنفي المقنع لن يقتنع . فهو ليس باحث عن الحقيقة يدور معها حيث دارت بل هو قاضي يصدر الأحكام الفورية الرادعة بالإعدام و إن وقفت الأدلة و الحجج أمامه أعدمها هي أيضاً ليصل إلى مراده . و هو بهذه العجلة و الخفة يهدم نضاله فزبائن بضاعته ليسو كثر ، و لو تأنى لنال ما تمنى و لو بعد حين . هذا إن كان ما يتمناه هو فعلاً ما تقوله بعض شعاراته لا ما يعبِّر عنه مجمل نشاطه
(إبراهيم عثمان )