لم يدخل الطبق الهوائي اللاقط بيتي إلا قبل سنتين أو ثلاث، وليس معنى هذا أنني كنت محروما من القنوات التلفزيونية الفضائية، ففي دولة قطر حيث أقيم، تقدم شركة الاتصالات منظومة من القنوات، بنظام «الكيبل»، معظمها أجنبي باشتراك شهري، وبما أنني عملت في تلك الشركة سنوات طويلة، فقد شاركت في اختيار القنوات المقدمة للجمهور، ولم يكن بينها قط أي من قنوات العهر الالكتروني العربية أو الأجنبية.. طبعا لابد ان يتسلل بعض الهلس الى أية منظومة قنوات مهما حرصت على انتقائها، ولكن الهلس العربي فجُّ وضحل وسخيف وسمج، لأنه محاولة لتقليد أسوأ ما في أكثر القنوات الغربية انحطاطا.. ما علينا، فكما ذكرت كثيرا في مقالاتي فكل ما يهمني في التلفزيون هو وجود قناة إخبارية او أكثر محترمة، وأكبر عدد ممكن من قنوات البرامج الوثائقية وعلى رأسها ديسكفري وناشنل جيوغرافيك.. ورغم انه يحلو لي التبجح بأنني لا أعاني من عقدة الخواجة، أي أنني لا أحس بالدونية عند التعامل مع الأوروبيين او الأمريكان، فإنني اعترف بأنه لم يمر عليَّ يوم طوال الثلاثين سنة الماضية لم اقرأ خلاله صحيفة او مجلة باللغة الانجليزية، كما أنني لا أشاهد قناة تلفزيونية عربية إلا لـ«الشديد القوي»، أي عندما تكون هناك بلوى أعلم ان قناة عربية ما ستعطيها الأولوية، بينما قد تتجاهلها القنوات البريطانية والأمريكية.. المهم ان حياتي تعرضت لنكسة بدخول الدش بيتنا.. وكان إدخاله ضرورة لتعزيز السلام العائلي، لأن «أم المعارك»، التي هي (حرمنا)، رأت أنني والعيال نستفرد بالتلفزيون، وأننا نشاهد قنوات الخواجات بينما هي تريد متابعة الفضائيات السودانية.. قلنا لها: يا بنت الناس عندك الفضائية اليمنية والسعودية والليبية والأردنية والمصرية والموريتانية، وكلها أخوات الفضائية السودانية في الرضاع، ولها نفس المفعول!! ولكنها ركبت رأسها وطالبت بالدش، متعللة بأنه يتيح لها مشاهدة قنوات أخرى من بينها الرسالة واقرأ.. ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فما بالك بأم المعارك.
لم أكن أعرف ان الأثير ملوث بعدد هائل من القنوات التلفزيونية التي لم اسمع بها.. فكر في أي اسم وستكتشف ان هناك قناة بذلك الاسم: الشهيق، الزفير، الأثير، الزمهرير، الأريج، الزئير، التراث، المحراث، الثريا، الثرى، الزفت، الصدى، الصدأ.. فالمسألة في منتهى البساطة والسهولة وكل ما يلزمك هو غرفة صغيرة وشوية بنات شخلوعات وجمهور أهبل وعبيط وخط هاتف وتصبح لديك قناة فضائية.. هناك قنوات عربية تمارس القوادة (وقد اخترت الكلمة بعناية فليست هناك مفردة تصف ما تقوم به قنوات تلفزيونية من حيث استقبال وبث الرسائل الغزلية المكشوفة بين الجنسين بل الجنس الواحد).. ولكن كل هذا كوم وقناة (++++++)، ولن ألوث يدي، وهذه المساحة بذكر اسمها، كوم آخر.. قناة زبالة، يقدم موادها الزبالة، أناس خسارة فيهم كلمة الزبالة.. والمحزن أن تلك المزبلة نجحت في جذب كميات هائلة من المشاهدين.. وهذه هي نظرية الذباب المعروفة: أينما يوجد الوسخ يتكاثر الذباب.. أرجو من القارئ الكريم ان يحرص على قراءة ما سأكتبه غدا بعون الله عن تلك القناة ليحكم لي او عليّ: هل ظلمت القناة أم أنها ظلمت نفسها وظلمت أجواءنا الملوثة أصلاً؟ لو كان في الاتحاد العربي للإذاعات والتلفزيونات خير، لاشترط لترخيص كل قناة وجود كفيل مشهود له بالاستقامة وحسن الخلق والذوق والحس، على أن يكون كفيلا غارما.. يعني إذا قصّر المكفول في واجبه ووقع في المحظور تأتي المسألة على رأسه (رأس الكفيل) ولهذا سيكون حريصا على عدم بث أي شيء يعرضه للتشهير وإساءة السمعة… والله خوش فكرة.. قناة كذا الفضائية بكفالة فلان أو الجهة الفلانية.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]