المتغيرات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية فى دول المهجر وانعكاساتها على المغتربين السودانيين

ظاهرة الاغتراب والهجرة من الأوطان من السنن التي يمارسها البشر ووردت في كثير من آيات القران الكريم ونفذها سيد الخلق صلوات الله عليه وسلم بهجرته من مكة دار مولده إلى المدينة المنورة ثم عاد إليها عودة الفاتحين الظافرين . إلى أن مسؤولية الدولة حيال مواطنيها ممن دعتهم الظروف إلى الهجرة إلى بلاد الله الواسعة في شتى أنحاء العالم تقضى بالضرورة أن تظل رعايتها لهم مستمرة بفاعلية وفق برامج وخطط مدروسة تعود بالنفع للوطن والمواطن المهاجر .
ومن دواعي هجرة واغتراب السودانيين خارج السودان فقد أبرزت كافة الدراسات أن تحسين الأوضاع المعيشية وزيادة الدخل هما العنصران الأساسيان للهجرة خارج السودان مع توفر أسباب أخرى موضوعية تأتى في المرتبة الثانية ومنها التحصيل العلمي خارج السودان والأسباب الاجتماعية المتعددة .
وأوضح الأستاذ عبد المجيد يسن صالح مستشار الأنظمة وتصنيف الوظائف بصندوق التنمية الصناعية السعودي ورئيس المجلس الاستشاري بسفارة جمهورية السودان بالرياض في ورقته التي استعرضها ضمن فعاليات مؤتمر المغتربين السادس الذي عقد بقاعة الصداقة بالخرطوم في الفترة من 19-21 من شهر أغسطس الجاري تحت شعار (المغتربون السودانيون سفراء الوطن وبناة النهضة ) انه بالنسبة للظروف الاقتصادية في دول المهجر قد أثبتت الدراسات أن دول الخليج العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تمثل اكبر الدول التي يوجد بها المغتربون السودانيون لتميزها بقربها من السودان واتساعها إلى جانب إنها بلد الحرمين الشريفين وتليها من حيث كثرة عدد المغتربين السودانيين دول الخليج الأخرى المتمثلة في الإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان وتأتى البلاد الغربية بريطانيا ، كندا ، أمريكا ، والدول الأوربية الأخرى فئ قائمة البلاد التي يهاجر إليها السودانيين بحثا عن العمل والإقامة والتجنس وغير ذلك من مبررات الهجرة الأخرى ثم تأتى دول أسيا كوجهة جديدة لاغتراب السودانيين .
وبالرغم من أن السبب الرئيسي للاغتراب يتمثل في البحث عن معالجة الظروف الاقتصادية التي يعانى منها المغترب إلا أن ذات السبب يمثل من جوانب أخرى معضلة ومشكلة من المشكلات الأساسية التي يواجهها المغتربون في بلاد الاغتراب وذلك بارتفاع غلاء المعيشة على مستوى العالم اجمع وفى مقدمتها بلاد الاغتراب الرئيسية بدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مما دعا حكومة المملكة إلى إضافة نسبة (15 % ) في رواتب موظفى الدولة الأساسية تغطية لقدر من تكلفة غلاء المعيشة مع إلزام كافة الجهات الحكومية بان يكون الحد الأدنى للأجور مبلغا وقدره ثلاثة آلاف ريالا سعوديا بدلا من ألف وخمسمائة ريالا الذي كان يمثل متوسط الحد الأدنى للرواتب في القطاعين العام والخاص اى بنسبة زيادة قدرها (100 % ) وبما أن هذا الإجراء لاينطبق على العاملين غير السعوديين سواء بالقطاع الحكومي أو القطاع الخاص فان الوافدين المغتربين يواجهون الآثار السلبية لارتفاع غلاء المعيشة حيث لأتغطى مايحصلون عليه من رواتب تكاليف حياتهم المعيشية العادية غير طموحاتهم في توفير مبالغ لتحقيق بعض أحلامهم المتمثلة في امتلاك منزل او تعليم أبناء وغير ذلك من متطلبات الاغتراب التي هاجروا من اجلها . كما أن القوانين في بلاد الاغتراب بدول الخليج بما في ذلك المملكة العربية السعودية وغيرها تتيح نسبة (10 % ) فقط لأبناء المغتربين للالتحاق بالمدارس الحكومية من المرحلة الابتدائية إلى الثانوي. ومن الظواهر الاقتصادية السالبة على المغتربين السودانيين أن القاعدة العامة في سوق العمل بالمملكة العربية السعودية تقوم على إلزامية حصول المتعاقد على زيادات سنوية في رواتبهم مما ينعكس سلبا على أوضاع العديد من المغتربين الذين تمتد بهم سنوات الاغتراب لسنوات عديدة كما تشهد دول الخليج بما فيها المملكة ارتفاعا مشهودا في إيجارات العقارات إلى جانب الارتفاع في تكلفة العلاج ولا تمنح المرافق الطبية الحكومية او الخاصة العلاج إلا بدفع تكلفته لذا فأن هنالك حالات عديدة لمرضى المغتربين السودانيين الذين تم حجزهم بالمستشفيات والمراكز الصحية نتيجة لعدم قدرتهم على دفع ماعليهم من تكاليف العلاج .
أما الظروف الاجتماعية في ديار الاغتراب فعلى الرقم من أن مصداقية المقولة المتداولة بان العالم أصبح قرية واحدة لتقارب وسائل الاتصال والتلاقي إلا أن لكل بلد عاداته وتقاليده وأعرافه وأنظمته التي ينبغي على المقيمين فيها من غير أهلها التقيد تمشيا مع الأنظمة الدولية المعمول بها على مستوى الدول .
وعلى الرغم من التقارب الذي يجمع بين المغترب السوداني ومواطني دول الخليج العربية المشتركة إلا أن هنالك سمات وأعرافا وتقاليد يتميز بها مواطنو كل دولة من دول الخليج خلافا لما هو سائد في المجتمع السوداني الذي يتصف بتعدد العادات والتقاليد باعتبار أن السودان دولة تتلاقح فيها عدة لغات محلية وعادات قبلية وجهوية لاتنسجم من حيث المحتوى والممارسة مع عادات وتقاليد وأعراف بلاد الاغتراب ونتيجة لهذه المفارقات ومع تقادم وجود أعداد كبيرة من المغتربين السودانيين بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج فقد برزت العديد من المشكلات الاجتماعية والنظامية في أوساط المغتربين السودانيين منها انه مازال العديد من السودانيين يقيمون أقامات غير نظامية بالمملكة العربية السعودية والقادمين بالقوارب تهريبا والمتخلفين من الحج والعمرة وظاهرة تخلف كثير من الأسر التي توفى أوليائهم وهذا الأمر تعانيه الجالية السودانية ،وبالرغم من السمعة الطيبة التي يتمتع بها السودانيين في المملكة إلا انه انتشرت بعض الممارسات والمخالفات لم تكن من أخلاقيات السودانببن وعاداتهم وتقاليدهم فامتلأت السجون .
وبناءا على ماتم عرضه فان الأمر يقتضى أن يتبنى المؤتمر حلولا ومعالجات مدروسة لمشكلات المغتربين واضعين في الاعتبار اختلاف أنظمة وقوانين دول الاغتراب وظروف وطبيعة الحياة في كل منها لذا كانت هنالك بعض الحلول والمعالجات مع الأخذ في الاعتبار حالة المغتربين بالمملكة كمثال يحتذي به منها استحداث ملحقيه عمالية ، دعم الصندوق الخيري قيام كيان الجالية السودانية بالمملكة ، توظيف مدخرات المغتربين لصالح الاقتصاد السوداني ، تغطية المغتربين ببرامج التأمين ، إعداد ضوابط وأنظمة لتنظيم هجرة السودانيين والمحافظة على حقوقهم النظامية ، تدريس المنهج السوداني بالمدارس الأهلية والعالمية بالمملكة ، توظيف قدرات الكوادر والكفاءات السودانية المغتربة ، إنشاء بنك للمغتربين للتنمية والاستثمار.
وإلحاقا للحلول المشار إليها وحتى يتسنى تفعيل وتنفيذ كافة التوصيات التي أفرزتها أوراق العمل ولجان المؤتمر فقد أوصت الورقة بوصيتين كأولوية أولى لتوصيات المؤتمر لخدمة المغتربين ومعالجة وحل مشاكلهم وهما إعادة هيكلة جهاز تنظيم شؤون السودانيين العاملين بالخارج وتكوين لجنة لمتابعة وتنفيذ توصيات المؤتمر تحت إشراف الأمين العام .

سونا

Exit mobile version