وقمة دول الإيقاد التي شهدت التوقيع على الاتفاق الثالث لوقف إطلاق النار في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حاولت أن توصل رسالة إلى أطراف الصراع بأن الاتفاق الثالث يجب أن لا ينهار تحت وقع تبادل النيران والاتهامات بخرق الهدنة التي تحدث قبل أن يغادر وفدا التفاوض مقر المفاوضات في أديس أبابا، ولذلك هذه المرة رفعت الإيقاد من درجة التهديد على لسان رئيس الوزراء الإثيوبي الذي قال: نحن في الإيقاد علينا أن نظهر أن أي طرف ينتهك الاتفاقات سيتحمل عواقب سوء سلوكه، وأضاف: “نبعث برسالة واضحة إلى قادة جنوب السودان، ولذلك فإن تأخير العملية لن يكون مقبولا. وإذا حدث فإن المنطقة ستتحرك”.
الإيقاد التي بعثت برسائل التهديد والوعيد لطرفي الصراع في الجنوب، بعثت كذلك برسائل إلى المجمتع الدولي، محذرة من مخاوف جديدة بشأن تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان. حيث يواجه الملايين المجاعة والذي يشكل تهديدا للأمن القومي في المنطقة بأكملها، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، هيلي مينكيريوس، كان حاضرا في قمة الإيقاد واستمع إلى هذه المخاوف من دول المنطقة، وقال مينكيريوس: “الجميع متفقون على أن عملية السلام كانت صعبة حتى الآن، وتسير على طريق يتأرجح بين الرجاء وخيبة الأمل وبين التشجيع والتشكك”. وأضاف أن “الأطراف المتحاربة، عليها أن تفهم أنه لن يتم التساهل مع أي تأخير في عملية السلام”.
من أجل تماسك هذا الاتفاق، لابد من تحرك دولي وإقليمي لفرض السلام والاستقرار على أطراف الصراع حتى لا تتكرر التجارب السابقة في اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تجد ترحيبا دوليا، ثم تنهار ويهدد ويلوح المجمتع الدولي بالعقوبات، بينما على أرض الواقع يتواصل العراك المسلح بين الأطراف وتتفاقم الأوضاع الإنسانية.
قد تبدو مظاهر الاحتفاء أقل أمس الاثنين في أديس أبابا بتوقيع الاتفاق الثالث، ولكن في العاشر من مايو الماضي شهدت العاصمة الإثيوبية نفسها توقيعا، وقع رئيس جنوب السودان سلفا كير وزعيم المتمردين رياك مشار اتفاقا على وقف إطلاق النار بعد تعرضهما لضغط دولي مكثف لإنهاء القتال الذي أثار مخاوف دولية بإمكانية تحوله إلى صراع قبلي يفضي إلى إبادة جماعية، واكتسب الاتفاق زخما إعلاميا كونها المرة الأولى التي التقى فيها الرجلان مباشرة منذ اندلاع الصراع في منتصف ديسمبر، ووثقت الكاميرات مصافحة كير ومشار الشهيرة قبل الاجتماع، ويومها تصاعدت الآمال بدنو إحلال السلام والاستقرار في الجنوب، وقال سيوم مسفن، كبير وسطاء الإيقاد، إن الهدنة ستسري في غضون 24 ساعة، وإن الجانبين اتفقا على الفصل بين قواتهما والامتناع عن أي أعمال استفزازية، وقال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، “اتفاق اليوم (الجمعة العاشر من مايو) على وقف القتال فورا في جنوب السودان والتفاوض على تشكيل حكومة انتقالية يمكن أن يمثل انفراجة لمستقبل جنوب السودان”.
واتفاق مايو الذي انهار سريعا لم يكن هو الأول، فقد سبقه اتفاق يناير الذي جاء بعد أيام على اندلاع الصراع، ونص كذلك على أن يدخل حيز التطبيق خلال 24 ساعة، الاتفاق الذي جاء بعد أكثر من شهر من القتال وقع أمام دبلوماسيين أجانب وصحافيين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وفي أول رد فعل دولي، رحب البيت الأبيض بالاتفاق واعتبره “خطوة أولى مهمة”، ولكن سرعان ما انهار الاتفاق ووقعت مجازر رهيبة، وحينما أصبح الجنوب على حافة الانهيار، زاره كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون، لمزيد من الضغط على قادة الصراع لوقف إطلاق النار، وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على بعض قادة طرفي الصراع.
ولما كان اتفاقا وقف إطلاق النار السابقين قد انهارا سريعا، فإن الآمال المحفوفة بالحذر الشديد لا تزال معقودة على أن الاتفاق الثالث الذي وقع أمس الاثنين بأن يكون الأخير، وأن يكون الالتزام من الأطراف فعلا لا قولا أو مجرد توقيع على اتفاق لا يصمد طويلا، لأن استمرار القتال وكما قالت مستشارة الأمن القومي الأمريكي، سوزان رايس، في تعليقها على الاتفاق الثاني: إن القتال في جنوب السودان سرق أمل تلك الدولة وحرم شعب جنوب السودان من السلام والرخاء الذي يستحقه
اليوم التالي
خ.ي