سؤال مرهق كرهق الذكريات التي تحوم في خواطرنا كلما جن ليل أو تناثرت نجوم في كبد السماء، نشعر بأننا نعيش حياة ضيقة لا مجال فيها حتى للابتسام، وتظل ذكرى خيانة ذاك، أو غدر هذا، أو رحيل ذاك يقطع أحشاءنا كلما انتحينا للوحدة ولو لبرهة، كم مرهق هو النسيان، وكم مؤلم هو الفراق والرحيل.
يوجد عدو واحد للحب، هو ذلك الداء الانثوي المسمى (الكبرياء)، يقتل الدواخل ويفتك بالمشاعر، انه داء الانثى وكثيراً ما نصحت صديقاتي بأن يضعن وهم كبريائهن في ثلاجة الدواخل حتى لا يفتك بهن، فكم من قصص حب ضاعت بسبب سرطان الكبرياء، وكم من نساء متن وهن عاشقات.. ولكن يحول دونهن الكبرياء.
صديقتي أخبرتني قبل أيام انها وبعد مرور ستة أعوام على انفصالها من حبيبها اكتشفت فجأة انها لم تعد تستطع العيش بدونه، ضحكت ألماً.. وأخبرتها اني بعد عمري كله اكتشفت انني لن أكون أصلا بدونه، ولكني رغم ذلك ابتعد عن كل ما يذكرني به، لأنه ينكأ جرحاً أعلم تماماً انه ما من شئ يرتقه،
ولم يعد لدي القدرة لارتق دواخلي كما يرتق البعض ملابسهم التي أصابها البلى، بالرغم من ذلك كثير هو ما يذكرني به، أراه حتى في عيون أصدقائي، وفنجان قهوتي الصباحية، ومرآتي في المنزل، وخزانة ملابسي، وكتبي، ومقالاتي، وقلمي وحبري وكل شئ.
كي أهرب منه لجأت لمنفى اختياري، وقررت أن أملئ نفسي بكل شئ، البيت، العمل، العائلة، الأصدقاء، رغم ذلك ظل يطاردني حيثما ذهبت حتى في أحلامي أراه يجالسني ويحكي قصصه القديمة.
أتعمد أحياناً أن أقتله في اللا وعي، أن أطرده من خيالي، ولكنه عنيد كعناد كبريائي حين اختار الرحيل عنه، يلازمني، يرفض الرحيل عن اللا وعي، بينما يرحل من الواقع إلى أخرى.
وحينما أعود من ذكراه فجأة، أقول نيابة عنه لنفسي افتقدك، وأبحث كثيراً عن ملجأ دائم، أملا في عودته مرة أخرى لواقعي بعيداً عن أحلامي فقط، ثم أعود مرة أخرى لأحلامي مهزومة وفاشلة تماماً.
أقول لك:
أنا لا انتظر عودتك فقد ظللت موجوداً دائماً في أعماقي.
رشان أوشي – الوطن السودانية