“غندور”: أنا أكن احتراماً للإمام “الصادق”.. ممثل حزب الأمة: ﻷنك إنسان محترم !!
برلين: الهندي عز الدين
قد يكون غريباً أن ينتهي لقاء الجالية السودانية بألمانيا مع مساعد رئيس الجمهورية البروفسور “إبراهيم غندور” بالتصفيق لزعيم الحزب الحاكم يعقبه مصافحات وعناق بعد نقاش ساخن وانتقادات مريرة لحكم الإنقاذ !
منذ وقت مبكر من عصر (الجمعة)، نصبت السفارة السودانية في برلين صيواناً صغيراً أنيقاً في الحديقة الخلفية الملحقة بدار سفير السودان لدى ألمانيا “بدر الدين عبد الله”. هذه أصعب فقرة في برنامج البروفسور “غندور” على الإطلاق على كثافة مقابلاته مع مسؤولين وناشطين وأكاديميين ألمان في مقدمتهم وزير الخارجية “د.فرانك شتاينمر” ومستشارين للمستشارة القوية الحاكمة “أنجيلا ميركل”.
فمنذ حادثة التعدي غير اللائق على الدكتور “نافع علي نافع” سلف البروف “غندور” في لقاء لم تحسن سفارتنا في لندن وقتها تنظيمه مع الجالية السودانية في بريطانيا حيث قذف أحدهم مسنداً أو (مخدة) في وجه صقر السلطة المثير للجدل، لم تعد لقاءات المسؤولين بالجاليات خاصة في أوربا من المطلوبات .
أغلب الحاضرين في صيوان السفارة كانوا من حملة الدكتوراة أو طلبة الدراسات العليا أو الذين زادت مدة إقامتهم في بلاد (الدوتش) عن ثلاثين عاماً !!
تناول الجميع عشاء مبكراً قبل صلاة المغرب ثم صلوا جماعة، وكان مدهشاً لي أنَّ الأساسيين والناشطين في الجالية من الملتزمين جداً بدينهم، الحريصين على صلواتهم.. المطلقين لحاهم!! والأمر ليس استثناء عن البيئة المحيطة بهم، فرغم إباحية المجتمع الألماني، إلا أنه صار من المعتاد أن تجد (ألمانيات) من أهل البلد الأصليين وليس من مهاجراتها، يضعن (البرقع) مسلمات.. منقبات أو محجبات بعباءات وخمر فضفاضة لا تصف ولا تشف (مش زي حجاب الخرطوم والقاهرة بتاع البنطلونات). الإسلام ينمو في ألمانيا بسرعة مذهلة تحيِّر حكامها، لكنهم لا يضيقون على مواطنيهم المسلمين .
دخل بروفسور “غندور” خيمة الاجتماع وبصحبته وزير الدولة بالخارجية “كمال إسماعيل”، ومسؤول دائرة أوربا بالمؤتمر الوطني “أسامة فيصل”، وسفيرنا هناك .
ابتدر النقاش الدكتور “حامد فضل الله” وهو من قدامى المقيمين بألمانيا وهو طبيب مخضرم تجاوز السبعين من عمره” لكنه ما يزال يحتفظ بحيوية وقدرة على العطاء. د. “حامد” خاطب البروف “غندور” عبر المايكروفون قائلاً: “إنَّ الحكومة غير جادة في دعوة الحوار الوطني”، مطالباً بالمزيد من الجدية لصالح بناء الوطن واستقراره .
متحدث آخر “السنجاوي” الذي عرف نفسه بعضو حزب الأمة القومي، شنَّ هجوماً لاذعاً على الحكومة والمؤتمر الوطني وتحدث عن الفساد والتستر عليه، وختم قوله بـ: (انتوا ما أولاد صغار وفيكم حملة الدرجات العلمية الرفيعة.. وشايفين البلد كيف بقت.. كفاكم.. كفى.
أستاذ الإعلام المخضرم “حسن عبدالوهاب” شكر مساعد الرئيس على الدعوة، وأشاد به كما فعل د.”حامد فضل الله” الذي ذكر أن “غندور” يختلف في نهجه عن سلفه !!
“عفاف” وكانت تعمل في الحقل الطبي مع البروفسور “جعفر ابن عوف” وجهت انتقادات لتدهور الوضع الصحي بالبلاد وتفكيك المستشفيات الحكومية، كما انتقدت عدم محاكمة أي مسؤول في الحكومة أفسد، وتحدثت عن جني الكثير منهم للمليارات بينما مرتباتهم لا تزيد عن ألف وخمسمائة جنيه! وأشارت لمادة التحلل، وقالت: “كيف نترك الذين يسرقون المال العام يعد تحللهم فقط من رأس المال؟”.
“محمد الشريف” كاتب وناشط معارض من دارفور حمل الإنقاذ كل أزمات البلد. وقال إنهم يرفضون ما يسمونه التدخل الأجنبي بينما يوقعون الاتفاقيات التي يعدها الأجانب مثل نيفاشا وغيرها .
مهاجر قديم من أهلنا الحلفاويين اسمه “عبد الله” حمل السيد “الصادق المهدي” مسؤولية سوء العلاقات مع ألمانيا. وقال: “الصادق هو أول من (بوَّظ) علاقاتنا مع ألمانيا عندما كان رئيساً للوزراء، ثم “نميري” باعترافه بألمانيا الشرقية. وقال: “لماذا تحملون الإنقاذ كل المسؤولية؟”.
مهاجر سبعيني آخر ركز في هجومه على المستشفيات الخاصة بالسودان وقال: “كيف تجعلون “مأمون حميدة” وزيراً للصحة ومستشفاه ارتكبت عديد الأخطاء وتسببت في وفيات؟” .
” غندور” كان هادئاً ومرحاً في إجاباته، ما استدعى فواصل متواصلة من الضحك والتصفيق! وتساءل في معرض إجابته على سؤال عدم الجدية في الحوار: “من الذي دعا للحوار.. الحكومة أم جهة أخرى، فكيف نكون غير جادين ونحن من دعا للحوار؟”
وقدم مساعد الرئيس فذلكة لتاريخ الحوار وتطوراته منذ خطاب الوثبة في يناير من هذا العام. وكشف أنَّ السيد “الصادق المهدي” اتصل به عند التاسعة صباحاً غداة التوقيع على (إعلان باريس)، وقال له: “نحن طرف ثالث وقد وقعنا مع الجبهة الثورية ونريد أن نأتي بهم للحوار”، فرد “غندور” بأنَّ الطرف الثالث لا يوقع مع الطرف الثاني ويترك الأول !!
وقال “غندور”: “أنا أكنُّ احتراماً خاصاً للإمام الصادق المهدي.. فقاطعه “السنجاوي” عضو حزب الأمة: (لأنك رجل محترم) .
وواصل مساعد الرئيس: “أنا أردد كثيراً أنني في مفاوضات الحوار مكثت في بيت “الصادق” و”الترابي” أكثر من بيتي” !!
وعن المستشفيات الخاصة تساءل “غندور”: “لماذا يذهب البعض إلى تلك المشافي وهو يعلم أنها خاصة وأنها باهظة الأسعار؟”. وأضاف: “لكنها طبيعتنا السودانية أن ندفع بالمريض إلى مستشفى خاص وبحوزتنا تكلفة علاج اليوم الأول ولسان حالنا (بكرة.. الله كريم)”. وقال إنَّ المستشفيات الحكومية تم نقلها للأطراف لتكون أقرب للمواطنين .
وحول دعاوى الفساد قال مساعد رئيس الجمهورية إنَّ الحكومة هي التي تكشف الفساد وليس جهة أخرى. وأكد أنَّ رئيس الجمهورية يطلع على تقرير المراجع العام أمام البرلمان من أجهزة الإعلام. وتساءل: “أليس هذا المراجع الذي يكشف الفساد والتجاوزات تابعا لحكومة السودان؟”.
وقدم “غندور” تنويراً للجالية عن مقابلاته مع المسؤولين الألمان. وأوضح أنهم عبروا عن ترحيب حكومتهم ودعمها للحوار الوطني بالسودان .
وأشاد “غندور” بمستوى النقاش الراقي. وقال إنَّ السودانيين مهما اختلفوا فإنهم يلتقون اجتماعياً وثقافياً، وقد كان الوسطاء الأفارقة في أديس أبابا يتعجبون من حرارة السلام وحميمية جلساته مع “عرمان” و”جقود” وغيرهم من قادة جيش قطاع الشمال، بينما رفض وفدا “سلفاكير” و”مشار” مصافحة بعضهما البعض في أديس أبابا !!
انفضَّ السامر والجميع معارضين وسفارة، خرجوا والابتسامات لا تفارق وجوههم السمراء ، والحنين والأمل في العودة إلى السودان الوطن يرسم حركاتهم .
المجهر السياسي
خ.ي