والواقع أن الانفلاتات الاخلاقية والتفلتات والمظاهر الصبيانية، ظلت العلامة المميزة لحفلات المطربين الشباب في الفترة الأخيرة، وقد تكررت الظواهر القبيحة التي لا تمت إلى الاخلاق السودانية بصلة، في العديد من هذه الحفلات، ومنها ما قامت به إحدى “الصايعات” في حفل عام للمطرب أحمد الصادق الملقب زوراً وبهتاناً بالامبراطور حيث خطفت منه المايك وصاحت بهستيريا عبر مكبرات الصوت “بحبك”! وقبل سنوات انتشر مقطع للمطربة إيمان لندن في إحدى حفلاتها باديس أبابا وكان ضمن أكثر اللقطات مشاهدة في موقع اليوتوب الفضائحي.
الجهات الرسمية بررت أكثر من مرة لعدم سماحها لبعض الفنانين العرب من الذين تعودوا على إدخال البنات في حالات من الهيستيريا والإغماء، وكنا و لازلنا بالطبع نعارض هذا المبرر، لكن “سودنة” تلك التخوفات من شأنها أن تدفع بحظوظ المتطرفين، والمتشددين، ضد الفنون والغناء على وجه الخصوص، إلى قمة الاعتراض والتأثير على صانعي القرار في هذه البلد التي لا تزال “تترنح” نحو نموذج ثقافي واجتماعي يحظى باحترام الجميع!
إنَّ الفوضى التي ظلت تعم أغلب حفلات المطربين الشباب ناتجة من عدة عوامل، أبرزها غياب ثقافة الاستماع إلى الأغاني بالآذان والوجدان، وسيادة السماع بالأرجل والأرداف، يٌضاف إلى ذلك إزدهار موجة مغنين “الهشك بشك” واندثار جلسات الاستماع الراقية التي وضع أسسها رواد الأغنية السودانية، وثبتت دعائمها الفنان المحترم جداً “الراحل” مصطفى سيد أحمد،وعدد من الفنانين الموجودين الآن وعلى رأسهم الهادي حامد وسيف الجامعة.
وقد زاد من حدة هذه المظاهر “الخليعة” انتشار القنوات الفضائية العربية التي نشرت ثقافة التعري وخدش الحياء تحت مسميات فارغة أبرزها “الفيديو كليب”، وساعد على ذلك ابتعاد القناة الفضائية السودانية الرسمية من تقديم الغناء لسنوات طويلة جداً تحت دعاوى التحريم والحفاظ على “طهارة” تلك القناة والنتيجة هي أن الناس انفضوا عنها الآن واتجهوا بكلياتهم إلى الفضاء المفتوح.
إن إعادة “السميعة” إلى شاشات التلفزيون وسماعات الراديو ومقاعد المسارح والصالات التي تقام فيها الحفلات، تحتاج لمجهودات كبيرة جداً، تبدأ بالمطربين الذين يجب أن يرفضوا كل مظاهر الفوضى والخلاعة التي تصاحب حفلاتهم.
ولابد أن تقوم الأسر بمحاربة هذا الانفلات عبر غرس القيم الأصيلة في نفوس ابنائها، ولابد أن يكسر التلفزيون حاجز الجمود الذي يلازم برامجه، ويعيد ترسيخ وجدان أبناء السودان كما كان.
صلاح الدين مصطفى