ليس كل ما يأتي به الخريف شر.. الاحتطاب في النيل

[JUSTIFY]لا يأبهون كثيراً للخطر الذي يُحدق بهم.. يقفون على الصخور الضخمة وأعينهم كما النسر حادة تراقب مد النهر وأمواجه المتلاطمه.. البهجة هناك سيدة الموقف، والقاسم المشترك الأوحد بينهم الغناء والأهازيج والقفشات، تتعالى الضحكات بين الأطفال والشباب حينما يصارع أحدهم عضد أمواج النيل الأزرق العاتي عند مدينة الروصيرص وسدها العالي، يتنادى ويفزع سكان المنطقة للاحتطاب من النيل.

لا غرابة، فالأمر طبيعياً هناك، إذ يجود الأزرق الدفاق على الناس بالأشجار التي يجرفها في طريق انحداره أسفل الهضبة الحبشية، فيساهم في المحافظة على الغابات ويقلل من القطع الجائر، ويوفر للمواطنين أموالا ومصدر دخل إضافياً عند كل خريف، فتنشط العمالة والحركة التجارية التي توفر مصدر رزق لبعض الأسر في المدينة بفضل فتح إدارة الخزان للأبواب السفلى وتمرير مياه النيل الفائضة كي تتحاشى مشكلات الطمي، وتقلل من نسبة الترسيب في الخزان ومسببات أعطال التوربينات .

خيرات النهر والخيران

تمرير المياه يعود بخيرات وفيره، على السكان هنا، ويُدر عليهم أرباحا وعائدات معقولة جراء بيع االحطب، وما يجود به النهر. ويدمن قاطنو الأحياء القريبة من الخزان، وحي (قنيص) على وجه االخصوص عادة الخروج إلى النهر، فهي هنا قديمة، يخرجون شيباً وشباباً نساءً ورجالاً يمارسون المرح والعمل في الوقت ذاته، ولسان حالهم يلهج بالثناء على الطبيعة، والحمد لله تعالى، بأن يديم الخريف لتستمر المياه متدفقة وجارفة للخيرات من الخيران التي تصب في النيل الأزرق جنوب الخزان، وكل ما تجرفه معها مياه النيل في رحلتها من الهضبة الإثيوبية وهي تشق أرض الفونج والحضارة التليدة لتجود بالخير لناس الروصيرص.

صيد الأشجار

اصطياد الأخشاب مهنة يمارسها سكان المدنية بكثير من الزهو والفخر، وهي مغايره تماماً لصيد الأسماك التي اشتهرت به الروصيرص منذ وقت طويل، وصارت مهنة شعبية يتداعى لها الكثيرون، ويشاركون فيها لما تعود به من فوائد جمة، رغم مشقتها ومخاطرها على الصيادين، رغم ذلك ظلت أرتال من البشر تصطف على ضفة النيل الشرقية خلف الخزان وأمامه لاصطياد الأخشاب، ثم بيعها في سوق المدينة أو لأصحاب ورش صناعة الأثاث والافران البلدية، أو إلى السكان المحليين في المنازل، إدارة الخزان سمحت للمواطنين بممارسة صيد الأخشاب نظرا للمشكلات الكبيرة التي يسببها العمل الخزان، وجعلت الرجال يمارسون الصيد داخل بحيرة السد وخصصت الجهة الأمامية منه عند مخرج المياه من الأبواب للنساء والأطفال باعتبار أن البحيرة أكثر خطرا عليهم، هدير المياه وقوة اندفاعها لدى خروجها من الأبواب يزيد من حماس وصخب صائدي الأخشاب ومرحهم كذلك.

صابر المُثابر

(صابر) صاحب الإحدى عشرة سنة، جنح إلى الاستفادة من النيل بطريقة أخرى عبر نقله للأشجار والأخشاب الى المنازل في الاحياء القريبة.

يكتفي (صابر) بذلك فهو لا يملك كغيره من الصبية والفتيات صنارة لصيد الأخشاب، يقول إن عمله يوفر له دخلا جيدا يتواءم مع سنة، إذ أنه يدرس في الصف الرابع (أساس)، ويأتي إلى النيل عقب الدوام، وفي بعض الأحيان في منتصفه، وتبلغ قيمة توصيل الحطب من الموقع إلى المنازل الواقعة بالقرب من الخزان (عشرة جنيهات)، ولكن صابر يعلق آمالاً على أن سعر (التوصيل) ربما يزيد. ويضيف: الأمر تتحكم فيه المسافة ومدى قربها أو بعدها من النيل.

ربح معقول من خشب النيل

بالنسبة لـ (بدري أبوشامة) أحد الشباب الممارسين للصيد، فإن العمل رغم مشقته ومخاطره المحتملة إلاّ أنه ممتع، ويزيد من دخل الفرد والأسر وينعش اقتصاد المواطنين هنا، باعتبار أنه أضحى نشاطا للكافة لسهولة الممارسة والأرباح المعقولة على العكس تمام لصيد الأسماك، بيد أنه يؤكد أن الأسماك أرباحها أفضل. أبو شامه قال لـ (اليوم التالي) إن ثمن عربة (كارو) محملة بالحطب تبلغ قيمتها أربعين جنيها في أسوء الأحوال، ولكن أبوشامه يضيف أن ازدياد رواد صيد الأخشاب قلل من نسبة الأرباح التي كان يجينها الناس في الماضي من بيع الحطب، وليس كل ما يجرفه النيل ينفع للبيع، فهناك نوعية من الأخشاب لا تصلح بتاتا. ويقول أبوشامة أن النيل في مرات يأتي بحيوانات كالأفيال والتماسيح وجثث الموتى وغيرها من الأشياء التي يجرفها مما يستوجب الحيطة والحذر. ويؤكد أنه رغم الخطر ومواجهة اندفاع المياه إلا أن النساء والأطفال يمارسون الصيد ويصارعون من أجل توفير دخلا يعينهم على الحياة. ويشير إلى أن أغلب طلاب المدارس في قنيص وغيرها يقدمون إلى النيل عقب فسحة الفطور ولا يرجعون إلى المدرسة لتحصيل بعض الأموال وكذا الحال بالنسبة للنساء وبعض الشباب فمنذ الصباح الباكر تمتلئ ضفة النيل بالصائدين والبحيرة كذلك ينشدون جميعهم أهازيج المرح والابتهاج في انتظار الأخشاب التي يجود بها الأزرق الدفاق

اليوم التالي
خ.ي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version