ونبعت فكرة الحوار الوطني في الوقت الذي فشلت فيه كل المساعي المتخذة من قبل جهات مختلفة وأدى لتصاعد الخلافات بين الأطراف محور النزاع بدلاً عن حلها، فيما رأت بعض الاتجاهات والأطراف السودانية ومنها الحكومة أن المنابر الخارجية قد تفتح الباب لدول كثيرة ومنظمات وأطراف لها أجندات خارجية تستطيع أن تقذف بها في هذا المرمى مما يجعل سبل التوصل لاتفاقيات لطي المسائل الخلافية محل خلاف كبير، ومن بعد اتجهت رغبات الكل للنداء الذي أطلقه الرئيس البشير بالتنادي لحوار الداخل بين كل مكونات الشعب السوداني، ووجدت الدعوة رواجاً منقطع النظير وتداعياً كبيرين، فيما وضعت بعض الشروط للخروج بالحوار المذكور لبر أمان يكفل الوصول لسلام يحل كل القضايا المصيرية وغيرها من الخلافات العالقة في المجتمع السوداني. وتمخضت عن الحوار ومنطلقاته تكوين لجنة «7+7» التي عقدت العديد من الاجتماعات بشأن تسريع الحوار المذكور الذي تأخر قيامه عن موعده لفترة زادت عن الميعاد المطلوب، وطلبت اللجنة في آخر اجتماعاتها ضرورة توسط رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثامبو أمبيكي بالمشاركة في الحوار الوطني بغية التوسط لإقناع الحركات المسلحة بالمشاركة في الحوار الوطني. وجاء هذا التوجه من طرفي الأحزاب المكونة للجنة من الحكومة والمعارضة، في الوقت الذي رأى فيه جانب المعارضة بأن مشاركة أمبيكي وممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وإيقاد في الحوار والاطلاع على خريطة طريق الحوار التي أعلنتها آلية «7+7»، بمثابة الشاهد على الإجراءات.
وقد أكد العديد من المراقبين لـ «الإنتباهة» أن عملية إدخال أمبيكي في الحوار الوطني إنما هو تدويل للحوار الذي ينبغي أن يكون وطنياً خالصاً. وأضاف المراقبون أن الحوار يجب أن تكون ميزته وطنياً بدون أي تدخلات خارجية مهما كان دورها لجهة البحث عن الحلول للقضايا السودانية من الداخل بعد أن ثبت بما لا يدع مجالاً للشك عدم نفعية المكون الأجنبي من خلال المنابر الخارجية المتعددة لحل مشكلات السودان.
وعن الأسباب التي دعت الآلية لاتخاذ هذا الموقف ومن ثم المطالبة بتدخل أمبيكي يقول الخبير الإستراتيجي الأمين الحسن لـ«الإنتباهة»، ربما يكمن السر خلف عدم انطلاق الحوار في وقته المحدد سابقاً والمتعلق بعدم الثقة التي يبديها المتمردون من عدم جدوى الحوار الوطني في منبر الخرطوم الداخلي لجهة عدم وجود الضمانات الكافية حسب قولهم لأجهزة الإعلام كثيراً مما دفع آلية الحوار للاتجاه صوب هذا التفكير لكسب موقف تلك الحركات للدخول في عملية الحوار، بيد أن مصدر مطلع ذكر لـ«الإنتباهة» أن أمبيكي رجل مسيرته في القضايا السودانية قبيل وقوع الانفصال لم تكن بالسيرة الجيدة التي يمكن أن يعتد بها، متسائلاً عن مقدرته في تحقيق مرامي وتطلعات الآلية بانخراط حاملي السلاح في العملية حتى تتكلل جهودهم بالنجاح، بيد أن خبير القانون الدولي د. السر محمد أحمد قال إن الملاحظ لمسيرة أمبيكي يجد أنها حافلة بالمواقف الداعية للوقوف عندها قبل اتخاذ هذه الخطوة، ويقول إن الفشل في المهام كانت السمة البارزة، فلم يستطع طيلة الفترة الماضية والتي امتدت لسنوات من إحراز تقدم في تقريب وجهات النظر بين الخرطوم وجوبا طيلة المماحكات التي ظلت تحدث باستمرار جراء التخاشن في القضايا المصيرية والمتعلقة بالجوانب الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. حيث لم يفلح في إحداث تفاهم أو اتفاق فيما يتعلق بترسيم قضايا الحدود بين البلدين وبقية القضايا العالقة بما في ذلك فك ارتباط الفرقتين من دولة الجنوب التي ظلت تدعم الحركات المسلحة الدارفورية وتصدير عداوتها للسودان. بينما يتفق آخرون مع السر مشيرين إلى أن مفاوضات أديس بين الحكومة وقطاع الشمال انهارت في جولات عديدة ولم تحرز تقدماً يذكر، ويرجع هؤلاء ذلك لضعف الوسيط الإفريقي أمبيكي، وأصبحوا يرون أن أمبيكي غير مؤهل للعب دور فعال يمكن أن يأتي بالحلول لمنبر الخرطوم حول الحوار الوطني وتقريب وجهات النظر السودانية حول القضايا المصيرية، فيما يشير البعض لعدم إلمامه بالنفسية السودانية وجوانبها المختلفة.
ولكن السر يقول إن الخرطوم التي تريد إقحام أمبيكي في الحوار الآن، تدرك يقيناً أنه لن يفعل شيئاً للحوار، ولكن تنتهج الخرطوم منهج العمل الدبلوماسي لتجنب نفسها الحرج مع الاتحاد الإفريقي فيما يمكن القول إن دخول أمبيكي على خط الحوار الوطني يأتي من خلال ما يمكن أن يقوم به تجاه الحركات المسلحة وقطاع الشمال والجبهة الثورية لحثهم والدفع بهم لخوض الحوار، رغم أن الحكومة ظلت تؤكد أن الحل في قضية الحوار الوطني يجب أن يكون بأيادٍ سودانية بعيداً عن التدويل، ولكن ذات الحكومة وبقية أطراف الحوار طالبت أمبيكي بالتدخل في الحوار لبناء الثقة بين الأطراف، بيد أن تجارب الرجل السابقة تجعل العديد من المراقبين ينشطون في الدفع بمسوغات تجعل من أنه ليس الرجل المناسب إذا ما ارتضت الحكومة والجهات المشاركة في الحوار الوطني عملية تدويله باعتبار أنه ربما مثل أعباء إضافية للملفات التي يمسك بها ولم يقدم فيها جديداً يذكر، فأمبيكي ليس لديه جديد يذكر ولا ماضٍ يعاد.
صحيفة الانتباهة
عبدالله عبدالرحيم
ت.إ[/JUSTIFY]