لقد عفا الزمن على أسلوب القيادة الفردية منذ أيام هولاكو وغيره
الديمقراطية الثالثة تآكلت بفعل السادة وكم سعوا لإبعادي وإقصائي
ما ظهر من الميرغني حتى الآن لا يقرب الشقة بل يبعدها وبعض القيادات مصالحها ذاتية
بعد عودة الميرغني أو في غيابه.. بعد أن توحدت الفصائل الإتحادية السبعة أو الستة أو قبل توحدها.. بعد مبادرة الهندي أو قبلها.. ماهو حال وواقع وحاضر ومستقبل الإتحاديين.. شاركوا في الحكومة أو لم يشاركوا بلافتاتهم المختلفة.. جلسوا على الرصيف أم لم يجلسوا.. أين هم من تحقيق شعاراتهم ومن بلوغ أشواقهم وتطلعاتهم نحو الوحدة الإتحادية وعقد المؤتمر أياً كان منظموه وأين هم من الراهن السياسي وإعمال المؤسسية والديمقراطية التي كانت لسان حالهم على الدوام, مع العلم أنهم لا يجمعهم مكتب سياسي الآن ولا قيادة جامعة.. ما نعرفه أن هناك ستة فصائل تمثل الوجهة الرسمية للحزب والشكل العام هي المرجعيات والهيئة العامة والإتحادي المسجل والموحد والوطني الديمقراطي وأزرق طيبة.. إذن السؤال الذي كان في السابق ويكون في الحاضر هو مَن الذي يعطل وحدة الحزب الإتحادي وعقد المؤتمر؟ مساحة من الحوار حول الشأن الإتحادي وقضايا أخرى نفتحها مع القيادي الإتحادي الزين حامد رقيب الجمعية التأسيسية السابقة وأحد القيادات الناصحة للسيدين المهدي والميرغني إبان فترة الديمقراطية الثالثة, وذلك في حوار ينشر عبر حلقات.. حيث بدأنا هذه الحلقة بالسؤال:
أجراه/ مزمل عبد الغفار
* عودة الميرغني الحزينة على فراق أخيه هل أثرت على ذات العودة التي كانت تحلم بها القاعدة الإتحادية والشارع الإتحادي؟
معلوم أن الميرغني كان رافضاً للعودة ولكن شاءت الأقدار ذلك.. فهذه العودة ليست قناعة منه ولم تكن عودة متوقعة وإنما أملتها الظروف الحزينة, ولكن السؤال يظل مطروحاً قبل هذه التداعيات الحزينة ألا وهو لماذا لم يأتِ للبلاد وهو يعلم تماماً ظروف الحزب الإتحادي الذي أنهكته الإنقسامات إلى درجة وصل فيها إلى عدد ستة فصائل.
* لقد عاد الميرغني فهل تعتقد أن الحضور السياسي والأبوية الشاملة حاضرة ايضاً مع هذه العودة لتحقيق أشواق وأماني وتطلعات الإتحاديين أم تترجم العودة -في تقديركم- إلى واقع حتى الآن في الجسم الإتحادي العليل؟
حقيقة أقول ما ظهر منه حتى الآن لا يقرب الشقة بل يُبعد.. فكل تصريحاته الآن تقول: إن الحزب موجود وهذا حديث خطير ما كان ينبغي أن يقوله. فهو عاد ويعلم تماماً أن الحزب قد تمزق وإنقسم كثيراً وأن القاعدة الإتحادية والشارع الإتحادي في ضياع ما بعده ضياع وإحباط ما بعده إحباط, وهذه القاعدة حتى الآن لا تدري إلى أين تتجه من القيادات.
* معنى حديثكم هذا أن القاعدة الإتحادية تائهة الآن ولا وجهة لها فهل هذا صحيح؟
صحيح لا وجهة لها الآن وإن كانت في تقديرنا مازالت ثابتة على مبادئها تتوق إلى الحرية والديمقراطية السليمة المعافاة؛ لأنها جميعاً تمثل طبقة الوسط الواعية المثقفة ولكن للأسف ولجراء ما حدث فإن هذه القاعدة الإتحادية تعاني من الضياع وللأسف أيضاً أن كل هذه القيادات التي ظهرت على الساحة جميعها مصالحها ذاتية مائة بالمائة.. فجميع القيادات الإتحادية التي تدعي أنها متنفذة الآن تنطلق من مصالح ذاتية, كما أنه ليس لها قدرات وهذا ما نراه على صعيد الحزب الإتحادي المسجل والمرجعيات أيضاً.. فعلى صعيد الحزب الإتحادي المسجل لا نرى في هذا الحزب أي قيادة كان لها كسب سياسي في الساحة الإتحادية أو قدرات, فهؤلاء لم يكن لهم وجود سياسي قبل العام 1989م ولا بعد ذلك.
* هل معنى قولك هذا إن القيادات الإتحادية المشاركة في الحكم الآن لم يكن لها كسب سياسي ولا وجود قبل الإنقاذ؟
بالضبط لا كسب لها قبل الإنقاذ وقيادة هؤلاء رغم أنها كانت محببة إلى نفسي أيام الديمقراطية الثالثة إلا أنها كانت أول من حمل فأساً لتكسير الديمقراطية الثالثة, وسبق أن سألت يوماً الراحل المقيم الشريف الهندي لماذا هذه المواقف ولماذا لا تبتلع مراراتك فقال لي مجيباً: لقد طفحت ولا تبتلع.. وذكرته حينها بندوة الأبيض الشهيرة التي قال فيها عن السيد محمد عثمان الميرغني مالم يقله عمر الحاج موسى في نميري.
عليه أقول: إن مبادرة الوفاق الوطني كانت فرصة وسانحة للإستوزار فقط وليس أكثر من ذلك اي أنها لم تخدم الشارع الإتحادي في شئ.. وهذا يشمل أيضاً الإتحاديين الذين شاركوا عبر التجمع الوطني.. وأنا أسأل جميع الإتحاديين في الحكومة بمختلف مسمياتهم ما الذي أضافوه أو غيروه في الساحة الإتحادية أو الساحة عموماً.
* من المعلوم أن هناك 6 فصائل إتحادية تمثل هذا الكيان كانت قد إتحدت, غير أن المشهد السياسي لا يقول ذلك فمن الذي يعطل تيار الوحدة إذن؟
حقيقة لقد إجتهدت هذه الفصائل في تشريح الأزمة وسعت جميعها لتحقيق الوحدة وفق مبادئ ورؤى واضحة أهمها إنتهاء عهد التمحور حول الأفراد, وهناك رأي واضح جداً هنا وعلى إمتداد التاريخ وبالتالي فنحن ظللنا نرفض التمحور.
* هل الأيام القادمة ستشهد قيام المؤتمر العام للحزب الإتحادي الديمقراطي لا سيما وأن الميرغني قد بدأ بعض الإتصالات؟
هذه الإتصالات لا تخرج عن كونها محورية وذات مصالح شخصية فقط وبالتالي غير مرجو من هذه التداعيات أي شئ.
* هل يمكننا القول إن السيد محمد عثمان الميرغني هو رئيس الحزب الآن؟
هو بالنسبة لنا ليس رئيساً للحزب بل تقييمنا ورؤيتنا له أنه سبب إنقسامات الحزب.
* إذا ما عدنا لمسلك الصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني في الديمقراطية الثالثة هل يمكننا القول إنهم مارسوا الديمقراطية حتى يعكسوها الآن على مستوى أحزابهم بحكم أنك كنت قيادياً بالجمعية التأسيسة السابقة؟
لا ابن المهدي ولا ابن الميرغني فهؤلاء لم يمارسوا الديمقراطية في التجربة السابقة بمعنى الديمقراطية التي نعرفها, فلم نرَ أي برنامج لأي حزب في تلك الفترة التي حكموا فيها. ولذلك فالإستعمار مهما قيل فيه كان أفضل منهم.. ولهذا كان المشهد كله عبارة عن صراع داخلي في الأحزاب وأنا أقول ذلك وكنت رقيباً في الجمعية التأسيسية حتى نهاية فترة حكم الديمقراطية الثالثة.. ونسبة لمواقفي الجريئة سعى السيدان المهدي والميرغني لازاحتي وإقصائي غير أنهم لم يستطيعوا ذلك من خلال البرلمان.. وبالتالي فالديمقراطية تآكلت بفعل السادة لكن كان من الممكن أن يتم التصحيح إذا بلغت دوراتها.
* لقد أفلح حزب الأمة الأم في عقد مؤتمره العام الذي أفرز قيادة جديدة كيف تنظرون لذلك؟
حقيقة لقد نجحوا في عقد مؤتمرهم ولكنهم لم يعالجوا شيئاً في قضية الديمقراطية والإنقسامات, والمؤتمر أفرز قيادات غير معروفة في الساحة السياسية ولا عطاء لها وهذه النتيجة والمحصلة النهائية للحزب يسأل عنها الصادق المهدي…
* بعد عودة الميرغني هل سعيت لزيارته؟
لقد ذهبت إليه أربع مرات ولم أوفق في مقابلته وموقفي من الذهاب إليه هو لأنني أؤمن تماماً بأن إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. وأنا أيام الديمقراطية الثالثة كنت صريحاً مع الميرغني وأقدم له النصائح وأقول مالم يقله أحد. وقبلاً حاول أهل المرجعيات إدخالي لصفهم, لكنني رفضت الدخول في المرجعيات من خلال المؤتمر الذي عقدوه بالقاهرة لأن المسألة كان المقصود منها الإلتفاف حول الديمقراطية وهي بعيدة عن جمعهم, فكل الذين دخلوا المرجعيـــــات هم عبارة عن
«yes man» فقط.
* لماذا لم تفلح في مقابلة الميرغني وقد كنت من القيادات المقربة له أيام الديمقراطية الثالثة؟
لقد قلت لك ذهبت له عدة مرات وكان الرد عليَّ دائماً أنه مشغول وأنه سيتم الإتصال بي لمقابلته, وما فهمته أنه لا يرغب في مقابلتي حسب ما إستنتجته.
* هل هناك جهات أو أفراد يحولون دونك ودونه؟
بالطبع هذا موجود, ولكن تبقى هناك قاعدة وحقيقة ثابتة أن كل من يعارض الميرغني في رأي أو وجهة نظر فهو مختلف معه تماماً, وهذه هي الحقيقة التي يدركها الكل في الشارع الإتحادي.
* هل كان قصدك من الذهاب إليه هو تقديم النصائح الأخيرة له؟
لا.. أبداً فأنا ذهابي كان لتقديم واجب العزاء في الراحل أحمد الميرغني الذي كان عزيزاً عليَّ وحبيباً إلى قلبي.. فالمقابلة التي طلبتها هي لمجرد تأدية واجب العزاء فقط, ولم يكن لدي حتى نسبة 1% أمل في أن أقدم إليه أية نصيحة أو أن أغير مبدأ.. لأن في رأيي أن هذه مسائل لن تغير وحدة الحزب والديمقراطية فيه وظهوره على الساحة (حزباً قوياً موحداً).
* هل سيتحقق ذلك في ظل قيادة الميرغني أم في ظل أي قيادة أخرى؟
لا.. نحن يجب أن نكون واضحين هنا.. فلقد وصلنا إلى قناعة أن القيادة الجماعية هي المطلوبة, لأن التاريخ قد عفى على القيادة الفردية منذ أيام أصحاب الدكتاتوريات مثل هو لاكو وغيره. فتاريخ البشرية صار واضحاً ذلك بأنها لا ترغب في قيادة فرد مهما كان إخلاصه ومهما كانت قدراته وتفانيه, لأن الكل يؤمن بأن الرأي للجميع وأن يسير الكل على رأي الأغلبية حتى ولو كان رأي الأقلية هو الأصوب.
صحيفة اخر لحظة