شهدت مداولات ندوة نظمت ببرنامج دراسات السودان وحوض النيل في مركز الأهرام بالقاهرة، مواجهة ساخنة بين رئيس مكتب حزب المؤتمر الوطني في القاهرة كمال حسن على والمتحدث بإسم المؤتمر الشعبي في الخارج المحبوب عبدالسلام حول أزمة المحكمة الجنائية الدولية، وأسباب خلافات الحزبين التي أدت الى مفاصلة شهيرة في عام 1999م.
وكانت الندوة التي جاءت تحت عنوان (تأملات فى العشرية الاولى لنظام الانقاذ) ونقلت عن موقع سودانيل الالكتروني، قد شارك فيها الدكتور عبدالمنعم عمارة رئيس المجلس المصرى للشئون الافريقية، والدكتورة اجلال رأفت، والدكتور فارمينا مكويت منار رئيس مكتب اتصال حكومة جنوب السودان، ونصر الدين كوشيب امين الحركة الشعبية بمصر، وصالح على سر الختم من الحزب الاتحادى.
وأبتدر المحبوب الندوة رؤية حزبه لموضوع أزمة المحكمة الجنائية الدولية، وقال إن الحزب لم يتخذ موقفا حتى الآن، حيث لم تجتمع هيئات الحزب ، وأضاف أن ماهو معلن فى وسائل الاعلام هو تعبير عن موقف الأمين العام للحزب الدكتور حسن عبد الله الترابى.
وعن تراجع مصداقية المؤتمر الشعبى قال إن هذه المصداقية سوف تعود بالتدريج، وكان أمرا طبيعيا الا يصدقنا الناس فى البداية، ولكن الوضع الآن أفضل كثيرا، والحقائق والمواقف سوف تفرض نفسها، وقال إن حزبه بدأ (الحوار) مع الحركة الشعبية التى كان الحزب فى أشد الخصومة معها، وتوج (الحوار) معها بمذكرة التفاهم، موضحا أن الحركة لم توقع على المذكرة الا بعد أن أستمعوا الى رؤية حزبنا وإلى شرح وتحليل لمواقف الشعبي وإجابات حول لماذا تمت المفاصلة؟، وقال : لعل الذين تابعوا ندوة الدكتور الترابى قبل ( أيام) فى جامعة الخرطوم يمكنهم أن يلحظوا التقدم الذى حدث .
وقد تناول المحبوب فى حديثه وفى ردوده على مداخلات القاعة العديد من القضايا، وذكر أن المؤتمر الوطنى يقول بأن الخلاف كان حول السلطة، ونحن نقول بأن الصراع هو حول قضايا تدور حول موضوعه الدستور، والفيدرالية والحريات، وبدون حريات لن تكون هناك فيدرالية أو لامركزية، والدستور الذى يقوم على فيدرالية حقيقية لا يمكن أن يتأسس إلا على حرية حقيقية ، وعلى اللامركزية.
وأضاف أن من بين القضايا أيضاً الالتزام بالعهود( وثيقة الدستور) إذن لابد من الالتزام بها حتى لو لم يك الآخرون قد شاركوا بفعالية فى وضع هذا الدستور. و قال انه لايمكن ان تستمر الدولة بدون حريات وفيدرالية ، واشار الى ان الترابى قال منذ وقت مبكر : لابد من الفيدرالية والا فإن السودان سوف ينقض من اطرافه.
وأكد المحبوب انه كانت هناك خطة استراتيجية للإنقاذ وضعت من قبل أن تأتى الإنقاذ، وقال أنا احاول فى كتابى الذى سيظهر قريبا، أن أرى لماذا تم الخروج عن هذه الخطة.
كما أشار فى إجابة على مداخلات العديد من المشاركين إلى أن الفصل المتعلق بالجهاد فى الجنوب هو الفصل الوحيد الذى قام بكتابته مرتين طبقا لتوافر معلومات جديدة، كما تناول حادثة اعدام الضباط الـ 28 . وكذلك التناقضات المدنية العسكرية داخل النظام.
وركز فى مقاطع مختلفة من الندوة على اهمية «فقه التعافى والتصالح»، وحول المطالبة المتكررة بالاعتذار قال انه حصل بالفعل ، واكد على مقولة لينين « ان النقد الذاتى للتجربة هو عمل سياسى كبير «وشدد على أن الوضع الحالى أصبح معقداً جداً، وبالتالى يحتاج إلى أفكار جديدة للتصالح والتعافى.
وأشار إلى انه لم يكن لدينا فى السودان دولة، بل فقط ملامح دولة. وأن المؤتمرات الشعبية التى أقامتها الانقاذ فى مطلع عهدها لم تكن نسخا لمؤتمرات القذافى الشعبية، بل كانت محاولة لملء الفراغ السياسى.
وعن السلطة والحكم قال كان لدينا المؤتمرات الشعبية، وكان لدينا أيضاً التنظيم الداخلى الذى قال البعض أنه حُل، ولكنه كان مرناً وكان من الممكن فكه وتركيبه وكان به 40% من القدامى و60% من القادمين الجدد، وكان الهدف هو إخراج هذا التنظيم الداخلى فى الإنقاذ- والذى نشأ بعد الإنقاذ – الى العلن، وكان من أحلامنا التنظيمية أن نحل تنظيمنا الداخلى على المجتمع كله، ولذا كان هذا التنظيم الداخلى لا مركزى بشكل واسع للغاية.
وكان المحبوب عبدالسلام قد قدم فى بداية الندوة عرضا للافكار الرئيسية لكتابه المعنون» دائرة الضوء وخيوط الظلام: تأملات فى العشرية الاولى لنظام الانقاذ» الذى يعده الآن للطبع فى القاهرة، وقال إن هذا الكتاب يقدم نظرة من الداخل، ومن ثم فإنه يقدم إضافة لتوضيح آلية الفعل من الداخل بحسبان أن الحركة الإسلامية هى أول حركة سنية تصل إلى الحكم فى العالم العربى، وأضاف ان الكتابة واجب لأننا مادمنا حكمنا الناس وشاركنا فى هذه التجربة فيجب علينا توضيح ما جرى، وقال إن عمل الحركة الاسلامية مثل الدائرة لايمكن لشخص أن يلم بها بشمول ، ولكن كُُل يكتب من زاوية رؤيته وما عاصره او ادركه، ولعل هذه الكتابة تستفز الآخرين، فيسهموا ايضا بما لديهم.
وقد عقب كمال حسن على رئيس مكتب حزب المؤتمر الوطنى السودانى بالقاهرة على حديث المحبوب قائلا: ان الخلاف بين جناحى الانقاذ كان حول السلطة وكيفية ممارستها، وان محاولة فرز المواقف حول القضايا بأثر رجعى الآن عمل غير منطقى وغير مقبول، وقال إن الخلاف حول السلطة امر جائز، ولقد اختلف حولها من قبل من هم افضل منا، وليس هناك ما يدعو لكى نصور أنفسنا بأننا فوق البشر ، فنحن بشر والخلاف مشروع، وأضاف أن السلطة هى أداة مهمة لاستنزال القيم والأفكار والتقدم نحو الاهداف.
وقد عقب المحبوب على طرح كمال حسن على فى نهاية الندوة بالتفصيل، ثم اشار الى ان حضور ممثل مكتب المؤتمر الوطنى فى القاهرة لهذا اللقاء وكذلك عبدالملك النعيم المسئول الاعلامى بالسفارة ، يعد تطورا ايجابيا على حد قوله قياسا الى أن طرفى الحركة الاسلامية توجد بينهما قطيعة اجتماعية فضلا عن القطيعة السياسية، وان لا احد منهما كان يحضر منابراو ندوات الطرف الآخر.
وفي مداخلته بالندوة، طالب الدكتور فارمينا مكويت منار رئيس مكتب اتصال حكومة جنوب السودان بأهمية التطلع الى المستقبل والحفاظ على وحدة البلد.
وتحدث صالح على سر الختم من الحزب الاتحادى معتبرا أن الانقاذ فى النهاية ليست سوى نص فى عقل الترابى، وان المحبوب هو الشخص القادر على تمثل نص الترابى والتعبير عنه والتحاور معه، كما اشاد الكاتب والاعلامى جمال عنقرة باجواء الندوة واعتبرها عملا متقدما وان كان قد تحفظ على كثير مما أورده المحبوب.
وكذلك شارك في الندوة عدد كبير من الناشطين السودانيين والاعلاميين . وقد ادار الندوة هانئ رسلان رئيس برنامج دراسات السودان وحوض النيل، الذى اعتبر فى كلمته الختامية أن الحضور الكثيف وأجواء الحوار الموضوعى والمتزن رغم سخونة القضايا، يمثل نجاحا لبرنامج دراسات السودان بالأهرام.
المصدر :الصحافة