سمعت عن سيارات «تفصيل» أي يحدد الزبون مواصفاتها وتتراوح قيمتها ما بين مليونين وعشرة ملايين دولار.. وسمع العالم كله قبل سنوات عن رجل الأعمال الإماراتي طلال خوري، الذي اشترى لوحة أرقام لسيارته بـ«25» مليون درهم أي نحو 7 ملايين دولار، وكتبت حينها قائلا إنه لو أعطاني خمسة ملايين فقط لرضيت بان أجلس فوق أو داخل الصندوق الخلفي لسيارته حاملا لوحة الأرقام لما تبقى من سنوات حياتي قابضا عليها بيدي وأسناني.
كل ذلك أمره هين.. فقبل حين قريب من الزمان احتفلت الشركة المنتجة لسيارات فيراري بالذكرى الخامسة والستين لتأسيسها.. وسيارات فيراري أصلا لا تستهدف زبونا «تعبان» مثلي ومثلك، فمعظمها لأغراض السباق، وبعضها للكشخة، أي لتلك الفئة من البشر التي يعطي الواحد منهم كل واحد من عياله مصروف جيب، مليون دولار، خلال الإجازة الصيفية ويقول لهم: هذه مصاريف سبعة أيام، يا ويلكم لو طالبتم بمصاريف إضافية قبل نهاية الأسبوع! المهم.. في ذلك اليوم الأغر باعت فيراري سيارة بتسعة ملايين دولار (دولار أمريكي وليس إثيوبي أو زيمبابوي وبالمناسبة فإنك لا تستطيع شراء علبة كبريت بمليون دولار زيمبابوي).. قد تقول: عادي.. فهناك سيارات بيعت بأرقام فلكية، فما الجديد في أمر هذه الفيراري؟ الجديد يا صديقي هو أنها عجوز بلغت سن اليأس، ومن حقها ان تتقاعد في مقبرة سيارات في أطراف أي مدينة.. فهي من صنع عام 1962م، فأين العدل يا جماعة: سيارة عمرها 51 سنة بتسعة ملايين، وفتاة حلوة وفي عمر الزهور لا تستطيع إكمال مراسيم زواجها لأن هناك عجزا في ميزانية العريس قدره تسعمائة دولار أمريكي!! أرجوك لا تحاول ان تقنعني بأن سيارة انقطع عنها الطمث تستأهل حتى تسعمائة دولار.. دعك من تسعة ملايين.. في نفس ذلك المزاد بيعت سيارة 250 جي.تي.إس.دبليو بي برلينيتا كومبيتزيوني (وهذه أول مرة أسمع بسيارة بمثل هذا الاسم السريلانكي الذي يسبب نطقه فتقا في الحجاب الحاجز، وتضخما في البروستات).. بيعت تلك السيارة بخمسة ملايين دولار.. وهي موديل عام 1960.
.. في السودان نسمي السير على الأقدام «كداري» وعندما يقول فلان «أنا جيت كداري» فإنه يعني أنه لم يستخدم وسيلة نقل أو مواصلات، والكلمة جاءت من «كُدُر» بضم الكاف والدال وهي تسمية يطلقها السودانيون على قدم/ حافر الحمار، ورغم أنني انسحبت من فصيلة الكداري، من الناحية الشكلية فإنني أنتمي إليهم وجدانيا، فقد صرت أملك سيارة ولكن استخدامها مع مقارنتها بعواجيز الفيراري ذوات ملايين الدولارات يجعل سيارتي نفسها «كداري»، ويفسر هذا لماذا أكره الفيراري.. ما يحزنني هو أن أول سيارة امتلكتها في السودان كانت مجهولة الهوية، يعني لم يكن هناك من يعرف لها فصلا أو أصلا، ورجح ميكانيكيون أن الجيش البريطاني تركها في الصحراء بعد نهاية الحرب العالمية الأولى فوجدها فاعل خير وتبناها وجعلها قادرة على السير إلى أن أصبحت من نصيبي… ولما قرفت من عمائلها لأنها صارت تفضحني وتضرب عن السير في منتصف الجسر أو تقرر العودة إلى الخلف بينما أريد لها ان تسير إلى الأمام تركتها في مقلب للقمامة.. يعني لو احتفظت بها لاشتراها مني خواجة أهبل بمليونين أو ثلاثة.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]